صبار عابر العنزي
الحوار هو مراجعة الكلام، وتداوله، بين طرفين أو أكثر لمعالجة قضية من قضايا الفكر، والعلم، والمعرفة بأسلوب متكافئ، يغلب عليه طابع الهدوء، والبعد عن الخصومة، فالحوار عملية تشاور متبادل هدفها السعي وراء تحقيق التفاهم المشترك عبر بوابة الاستماع الفعّال والعاطفي من أجل اكتشاف أوجه التشابه وفهم الاختلافات في وجهات النظر المتنوعة من أجل تخطي عقبات سوء الفهم وتبديد الصور النمطية وتعزيز التفاهم المتبادل...
وللحوار آداب جمة، ينبغي التحلي والالتزام بها، حتى لا يذهب هذا الكلام إلى منحنى مزعج يقودنا إلى الجدل, فنحن عندما نخوض غمار الحديث حول موضوع من الموضوعات لابد أن نكون على علم ودراية ويكون لدى كل أطراف الحوار، الجرأة، والشجاعة، على الاعتراف بالخطأ، وأن يكون الأدب والاحترام والتقدير وانتقاء المفردات المناسبة التي لا تهمز ولا تلمز ولا تستعرض ثقافة الاستعلاء، مع مراعاة القيم والمبادئ وقبل ذلك المعتقدات التي ينتمي لها كل طرف، فالهدف البحث عن الحقيقة بطريقة مرنة...
هناك فوائد جمة من خلال تبادل الأفكار بين الناس منها تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد وتنشيط الفكر وإشغال العصف الذهني بما ينفع، والتخلص من الأفكار الخاطئة في إقامة الحجة، ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي، هو الهدف الأساس لدى المتحاورين وغاية الحوار...
والمحاور عليه تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة والنقل الصحيح وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة: (إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدَّعيًا فالدليل)...
وفي الحوار يجب عدم المقاطعة واحترام الآخر وعلينا الانتظار حتى يفرغ تمامًا من حديثه وعدم مقاطعته بأي شكلٍ من الأشكال وعند الانتهاء من حديثه نبدأ الرد عليه، وبكل تأكيد من أجمل آداب الحوار التواضع...
الحوار يحتاج إلى أسس ومرتكزات وقواعد أهمها إيضاح الموضوع المعروض للحوار وشرح معاني المصطلحات المستخدمة فيه وتوضيح المفاهيم المبهمة وعليك قبل الإدلاء برأيك أن يكون مخزونك المعرفي والثقافي ثريًا ولديك المام بكل جوانب وتفاصيل الموضوع والقدرة على استيعاب رأي الآخر وحججه، فالحوار وسيلة وليس غاية، فهو يدور حول الأفكار والوقائع وليس حول الأشخاص والهجوم عليهم..
فإذا خضت غمار الحوار فاعتمد على العقل والمنطق والإقناع والابتعاد عن التعصب والترهيب والتهديد والانفعال العاطفي وعليك أن تفرق بين الحجة والرأي في سياق الحوار، والالتزام بالموضوعية والصدق والدقة في التعبير والابتعاد عن التعميم والأحكام المسبقة والإهانة والتشويه والتضليل المقصود...
وقد صنفت الكاتبة إيمان هاشم القدور أنواع وتصنيفات الحوار بصورته الإجمالية عددًا من الأشكال التي يمكن أن تندرج تحت تعريف الحوار، فالنقاشات والمفاوضات والمناظرات والجدل والخطابات الجماعية والمحادثات الفردية، كل منها يمثل شكلاً من أشكال الحوار، ولذلك يصعب تحديد أنواع الحوار لتباين أشكاله، فنوع الحوار يتبع للهدف منه والموقف الذي يجري فيه الحوار، وطبيعة المتحاورين، وعليه يمكن تصنيف أنواع الحوارات...
الحوار الإقناعي هدفه الوصول إلى حلٍ ما، أو توضيح الوقائع بصورة أفضل، قد يتخلله اختلاف في وجهات النظر وتضارب في الآراء بين المتحاورين أما الحوار الاستقصائي يحتاج المحاورون إلى أدلة ووثائق وشهادات تثبت موضوعات الحوار، وهدفه إثبات الفرضيات المطروحة، وذلك يتطلب التثبت من الأدلة وموثيقيتها أولاً، والحوار الاستكشافي يتخذ هذا النوع شكلاً بحثيًا، لتفسير وشرح جوانب الموضوع، بهدف الاستقرار على أفضل الأطروحات المقترحة...
أما الحوار التفاوضي: هو حوار يصل فيه أطرافه إلى حل مشترك، بحيث يحصل كل طرف فيه على جزء مما يريد، على الرغم من اختلاف آرائهم والحوار البحثي: هدفه جمع المعلومات وتبادلها، بحيث يكون التركيز المعلومات المتبادلة في الحوار, وأخيرًا الحوار التأملي هدفه الوصول إلى أفضل الخيارات المتاحة، بعد التأمل والتفكير المتروي وتنسيق الخيارات...
وأسوأ هذه الحوارات الحوار الجدلي: يتخذ فيه الحوار شكلاً حادًا في النقاش، وتكون فيه النزعة الشخصية حاضرة، بهدف الوصول إلى جذور الخلاف والتباين بين الآراء...