المشهور أن نجاح الإدارة يكمن في موازنة الحزم مع المرونة؛ وهي شبيهة بشعرة معاوية رضي الله عنه وإن كانت تلك في السياسة ولأن الإدارة كجهاز يتنوع فيه الموظفون من حيث الخدمة والخبرة والسن وكذا المؤهل العالي وتبعية المساعد للمختص, وربما جوزت بعض الأنظمة اختلاف التعامل على مبدأ أنزلوا الناس منازلهم ما قد يحدث شحناء غير محمودة, وتنافسا غير شريف للوصول إلى سدتها ومن هنا تبدأ التحزبات, ومهما قل شأن الموظف بمؤهله أو مرتبته فقد امتاز بأنه أوى إلى ركن شديد برابطة قرابة أو مصلحة إلى المسؤول, هذه المجريات في العمل قد تنسف ما تحصل عليه الموظف من دراسة وما استفادة من دراية, وينتهج سلوكا لم يدون في المناهج الأكاديمية؛ ويحظر على المدرب الإفصاح عنه للمتدرب كاستغلال حاجة الموظفين للإجازات والعلاوات وتسخيرها لتثبيت مكانة المسؤول في إدارته؛ وكاتخاذ العيون لا لتفحص درجة دقة العمل ومعرفة ما أنجز وما أهمل من مصالح الناس بل لمعرفة الألسن المتذمرة من المسؤول، ولا يمكن في هذا السياق أن نغفل تحطيم جهود الكوادر النشطة مخافة أن تقتلع المسؤول من مكانه بالإحلال والتجديد.
عندها سيخلق جيل يفهم معنى الإدارة من الواقع وليس من المناهج بأنها تتمحور في إدراك رضى المسؤول للارتقاء لمكانة علية ودخل عال والوصول إلى رفاهية غير مستحقة على حساب ذوي المؤهلات العليا والمجهود النضالي؛ فلا صاحب الشهادة تمكن من رفع مستوى العمل بالعلم الذي تعلمه ولا استثمرت الإدارة مجهود ذا الجهد في رفع طاقة العمل.
بين خلاف أن تكون الإدارة علما أو مهارة ظهر إبليس بوساوسه ليزين للمسؤول جمال الكرسي الجالس عليه ثم يخوفه من أثر فقدانه ثم يرسم له طريقة المحافظة عليه بمعايير الكفاءة التي تمكنه من تجاهل مؤهل المتعلم وجهد المثابر اللذين هما أخطر اثنين في نظره على محافظته على كرسيه.
وبالتالي وبعد زمن تحل هذه القواعد الشيطانية محل المناهج الأكاديمية للإدارة ويتدرب الموظف الفطن عليها ساعة التحاقه بالوظيفة.
قبل ثلثي عقد استخدمت التكنولوجيا في إنهاء الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور مواطنين ومقيمين واختصرت وقتا عزيزا من وقت المواطن الذي كان يترك وقته الوظيفي مستأذنا لإنهاء معاملته لدى نظيره لإدارته الذي بالمقابل ترك مكانه فيها لإنهاء معاملته في إدارة نظيرة المراجع. وعجت وسائل التواصل الاجتماعي بالانبهار من المقيمين لما اعتادوه في بلدانهم من روتين مميت وما يصاحبه من إكراميات كما انخفض معدل الفساد الإداري والمالي مع الجمهور بصورة ملحوظة ولا نبالغ إن غيرنا كلمة (انخفض) بكلمة (انعدم)؛ وهي مكتسبات تنموية جديرة بالفخر لكن تبقى حقوق الموظفين المالية وطموحهم الوظيفي فنجاح المسؤول في تقديم خدمة ناهية للجمهور لا يعني غض النظر عن سلوكه المنحط مع من هم دونه.
إن بعض الأمراض كالقولون مثلا قد يصاب بها الموظفون نتيجة القهر والتهميش وهضم الحقوق ويتناقل الناس في منتدياتهم التحذير من أثر تناول الطعام الفلاني لأثره على الصحة؛ من واقع سماع مصاب نصحه الطبيب بالامتناع عن أكل كذا وكذا كعلاج لمرضه بينما استترت الأسباب الحقيقية في تلك الإدارة.
وآخر المقال:
أتمنى على مكافحة الفساد التي خلقت جوا من الطمأنينة لدى الناس لضربها بيد من حديد على المعتدين على المال العام أن تشمل جولاتهم الرقابية المهمشين من الحاصلين على المؤهلات العليا والمكبوتة طاقتهم العملية وضبط من اتخذ الوشاية مصدرا للتكسب بمرتبة أو علاوة؛ فإننا في عصر ذهبي زالت فيه سلوم الفزعات الوظيفية والاستعانة بابن القبيلة أو الديرة لتجاوز المخالفات الإجرائية بحزم الوالد القائد سلمان وعزم الفارس محمد بن سلمان.
قالت عائشة -رضى الله عنها-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، رواه مسلم.