د.شريف بن محمد الأتربي
لم يكن أحد يتخيل أن أفلام الخيال العلمي التي كنا نشاهدها في ثمانينيات القرن الماضي تتحول إلى واقع نعيشه، ومستقبل ننتظره بكل شغف لنرى إلى أي مدى سنصل مع هذا التطور التكنولوجي السريع الذي نكاد نلهث من سرعته وتغلغله في مفاصل حياتنا كلها.
يشير الذكاء الاصطناعي (AI) على نطاق واسع إلى أي سلوك شبيه بالبشر تعرضه آلة أو نظام. في أبسط أشكال الذكاء الاصطناعي، تتم برمجة أجهزة الحاسوب لتقليد السلوك البشري باستخدام بيانات مكثفة من الأمثلة السابقة لسلوك مشابه. يمكن أن يتراوح هذا ما بين: التعرّف على الاختلافات بين القط والطائر، إلى أداء أنشطة معقدة في منشأة التصنيع.
وهو الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها.
يتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال، منها: استخدام روبوتات محادثة الذكاء الاصطناعي؛ لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة، ويستخدم أيضاً لتحليل المعلومات الهامة المستخرجة من ضمن مجموعة كبيرة من البيانات النصية.
إن الذكاء الاصطناعي يتعلّق بالقدرة على التفكير الفائق، وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدّم صورًا عن الروبوتات العالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، فإنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر، إنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير، مما يجعله أصلاً ذا قيمة كبيرة من أصول الأعمال.
في عام 2018م، أصبح الذكاء الاصطناعي حقيقة لا خيالاً، ولم يعد يحتل مكاناً في عالم الثقافة الشعبية فقط، لقد كانت سنة 2018م بمثابة النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي؛ فقد نمت هذه التكنولوجيا بشكل كبير على أرض الواقع حتى أصبحت أداة رئيسية تدخل في صلب جميع القطاعات. ومن القطاعات التي استفادت من هذه التقنية: قطاع التعليم، وإن كانت هذه الاستفادة في طور البداية إلا أنها أحدثت وستُحدث فارقًا كبيرًا في هذا القطاع؛ نظراً لما وفرته وستوفره من دعم للمعلم، والمتعلم للتغلب على المشكلات التعليمية وردم الفجوات، سواء الناتجة عن المقررات الدراسية، أو العملية التعليمية المقدمة من قبل المعلم، أو حتى تلك المتعلقة بتعلم الطالب نفسه.
وقد كتب العديد من الخبراء والمتخصصين في مجال التعليم مقالات عدة، ونشروا دراسات للوضع الحالي، ونظرات مستقبلية للإمكانيات التي يمكن أن توفرها (ARTIFICIAL INTELLIGENCE AND MACHINE LEARNING /AI and ML) للتعليم، فعلى سبيل المثال ذكرت (Alicia Verweij) في مقالتها المعنونة: 5 اتجاهات للذكاء الاصطناعي ستغير التعليم في عام 2022، أن الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة أصبحا جزءا أساسيا من عناصر النمو والابتكار في جميع الصناعات، ولا يختلف قطاع التعليم. وفقًا لمؤشرات صناعة التعليم الإلكتروني eLearning Industry؛ أن ما يزيد عن 47 % من أدوات إدارة التعلم سيتم تمكينها وتزويدها بقدرات الذكاء الاصطناعي في السنوات الثلاث المقبلة.
وبالنظر إلى الذكاء الاصطناعي؛ نجد أنه أصبح الآن جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الطبيعية، فنحن محاطون بهذه التكنولوجيا في كل مكان بدءا من أنظمة وقوف السيارات الأوتوماتيكية، وأجهزة الاستشعار الذكية لالتقاط صور مذهلة، والمساعدة الشخصية، وغيرها...
والذكاء الاصطناعي ينمو بسرعة مع إمكانية تغيير وجه قطاع التعليم على نطاق واسع، وحالياً يتم الشعور بوجود الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل واضح وصريح، وأصبحت الأساليب التقليدية في التعليم والتعلم، والتقييم والتقويم تتغير بشكل سريع وجذري.
ومنذ أن أصبحت المواد التعليمية في متناول الجميع من خلال الأجهزة الذكية وأجهزة الحاسوب؛ تغيرت الطريقة التي يتعلم بها الناس، وأصبح الحصول على دورات تدريبية وشهادات مهنية ومساعدات تعليمية متاحة للجميع وبما يتناسب مع إمكانات وقدرات كل فرد.
ومن أبرز مسببات تسارع توظيف التقنية في التعليم واستخدامها على نطاق واسع وتجاوز المخطط الزمني المخطط لها بتسارع شديد؛ ما حدث خلال العامين الفائتين في ظل انتشار فيروس كورونا أو ما يسمى COVID-19. ليس هناك أدنى شك في أن الجائحة قد جلبت العديد من التحديات للحياة اليومية، لكنها أدت أيضًا إلى نمو سريع في التقنيات التي من شأنها جعل الحياة اليومية أبسط، وخصوصاً أن الكثير منها يستخدم الذكاء الاصطناعي أو تعلم الآلة.
بين عامي 2020 و2021م ابتكر المعلمون أدوات EdTech التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لفصولهم الدراسية، ورغم أن هذه الحلول التكنولوجية موجودة في مجال EdTech لبعض الوقت لكنها كانت بطيئة في تبنيها من قبل قطاع التعليم. لقد أدى الوباء إلى تحول جذري في المشهد، مما أجبر المعلمين على الاعتماد على التكنولوجيا للتعلم الافتراضي، وفي إحدى الدراسات ذكر 86 % من المعلمين أن التكنولوجيا يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من التعليم.
وقد وضعت (Alicia Verweij) مقترحات لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي، فذكرت أنه يمكن أن تستخدم في:
1- مساعدة المعلمين في مهامهم، فالمعلمون لا يعُلمون فقط، بل يقضون الكثير من الوقت في أعمال أخرى مثل: تصحيح الاختبارات، وتقييم الواجبات المنزلية، وتسجيل الأوراق اللازمة، وإعداد التقارير، وتنظيم المصادر والمواد للحصص الدراسية، وإدارة المواد التعليمية، وما إلى ذلك. كل هذه الأعباء التي تقع على كاهل المعلمين يمكن تخفيضها باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لأتمتة هذه المهام. ولعل التحدي الكبير هو تصحيح كتابات الطلبة، حيث أحدث استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي ثورة في تطوير خدمات برامج الكتابة للطلبة، ورغم أن هذا التطوير لا يزال في مراحله الأولى، ولكنه يتقدم بسرعة.
2- الاختبارات، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين أنواع التقييمات التي يستخدمها المعلمون بشكل كبير لتوجيه تعلم الطلبة، كما بدأت العديد من منصات التعليمية في دمج تقييمات التخفي المضمنة التي لا يعرفها الطلبة حتى على أنها اختبار. هذا مفيد للطلبة الذين يعانون من قلق الاختبار. لقد تم تصميم العديد من هذه الاختبارات لتبدو أشبه بالألعاب، مما يزيد من مشاركة الطلبة ويقلِّل من مقاومة التعلّم والاختبار.
لا يعني الاختبار مجرد تقييم لنهاية الوحدة، فهناك العديد من الشركات، مثل: Content Technologies، وCarnegie Learning تعمل حاليًا على تطوير تصميم تعليمي ذكي، ومنصات رقمية تستخدم الذكاء الاصطناعي؛ لتوفير التعلم والاختبار والتغذية الراجعة للطلبة من مرحلة ما قبل الروضة إلى مستوى الكلية، والتي تمنحهم التحديات التي هم على استعداد لتحديد الفجوات في المعرفة وإعادة التوجيه إلى مواضيع جديدة عند الاقتضاء. غالبًا ما تكون التقييمات المستمرة أكثر قوة وذات مغزى من تقييمات نهاية الموضوع الشاملة. لقد تم استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل مؤسسات تعليمية كبيرة مثل ACT وSAT لتسجيل الاختبارات.
ومن أنواع التقييمات التي تعتمد الآن على تقنية الذكاء الاصطناعي: التقييم التكويني. وهذه التقييمات إن كانت جيدة التصميم، وتستفيد من أحدث التطورات في التكنولوجيا، يمكن أن تساعد الطلبة على التعلم بشكل أسرع وأفضل.
بدءًا من التدريس الذكي، والتقييمات الخفية، والألعاب، والواقع الافتراضي؛ كلها يمكن أن توفر الاختبارات المصغرة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. مجموعة متنوعة من الطرق تستخدم هذه التكنولوجيا لبناء أدوات تفاعلية تساعد المعلمين في تحديد المستوى المعرفي والمهاري الحقيقي الذي عليه الطالب وقت التعرض لهذه الأدوات، وكذلك اقتراح حلول لكل طالب على حدة.
3- التعلم الفردي/ الدروس الخصوصية، من روضة الأطفال إلى المرحلة الثانوية، حيث تمثِّل إحدى الطرق الرئيسية التي سيؤثّر بها الذكاء الاصطناعي على التعليم في تطبيق مستويات أعلى من التعلم الفردي، ويحدث هذا بالفعل من خلال أعداد متزايدة من برامج التعلم التكيّفي والألعاب والبرامج. لقد مثَّل تفريد التعليم أولوية قصوى للمعلمين لسنوات طويلة، ومع استخدام الذكاء الاصطناعي يمكنهم أن يحصلوا على مستويات من التمايز للطلبة. كان حتى وقت قريب يعد مستحيلًا مع كثافة عدد الطلبة داخل الفصل والذي يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30 طالباً.
وخلال جائحة كورونا 19COVID؛ ومع التوجه نحو التعلّم عن بعد؛ كانت تقنية الذكاء الاصطناعي واحدة من أسرع التقنيات نموًا خلال هذه الفترة نظرًا لعدم القدرة على وجود المعلمين شخصيًا لمراقبة الطلبة سواء أثناء عملية التعلم أو خلال عملية التقييم. كان المعلمون يعتمدون أكثر فأكثر على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للقيام بهذه المهمة نيابة عنهم.
4- التدريب والتطوير المهني للمعلمين، فمع زيادة الأعباء التدريسية، وسرعة التطور المعرفي يجد المعلمون أنفسهم في حرج أحياناً أمام طلابهم ليكونوا على نفس القدر من المعرفة والمهارات التي بات عليها جيل اليوم، ورغم ذلك يظل المعلم هو الشماعة التي يتم عليها تعليق فشل التحصيل العلمي للطلبة. ومع استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي ستتوفر أكثر من طريقه لمساعدة المعلمين على تحسين الدروس وتخصيصها.
يمكن لهذه التقنية الناشئة أن توفر ملاحظات للمعلمين حول نجاح الدرس ككل، ومراقبة تقدم الطالب، والتنبيهات عندما تكون هناك مشكلة في أداء الطالب، بالإضافة إلى تحديد المجالات التي يمكن للمعلمين من خلالها تحسين التدريس.
لا يدرك المعلمون أحيانًا الفجوات الموجودة في دروسهم والمواد التعليمية التي يمكن أن تترك الطلبة في حيرة من أمرهم بشأن مفاهيم معينة، وباستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي يمكن حل هذه المشكلة.
ويعد موقع Coursera - مقدم دورات تدريبية ضخمة ومفتوحة عبر الإنترنت- واحداً من المواقع التي وضعت هذا الحل موضع التنفيذ، فعندما يرسل عدد كبير من الطلبة إجابة خاطئة على أحد الواجبات المنزلية؛ فإن النظام ينبه المعلم ويعطي الطلبة المستقبليين رسالة مخصصة تقدم تلميحات للإجابة الصحيحة.
ستكون أنظمة التعلم القائمة على الذكاء الاصطناعي قادرة على تزويد المعلمين بمعلومات مفيدة حول أنماط تعلم الطلبة وقدراتهم وتقدمهم، كما ستقدم اقتراحات حول كيفية تخصيص أساليب التدريس الخاصة بهم وفقًا لاحتياجات الطلبة الفردية. في الآونة الأخيرة، بدأت جامعة (مورسيا) في إسبانيا اختبار روبوت محادثة يدعم الذكاء الاصطناعي للإجابة على أسئلة الطلبة حول الحرم الجامعي ومجالات الدراسة. عندما تم طرح برنامج المحادثة هذا، فوجئ مديرو الجامعة باكتشافهم أنه كان قادرًا على الإجابة على أكثر من 38708 سؤالاً، والإجابة بشكل صحيح على أكثر من 91 % من الوقت، كما أصدرت Google مؤخرًا نظامًا أساسيًا تعليميًا جديدًا يعمل بالذكاء الاصطناعي، يمكن للطلبة التعلّم بطرق فردية للغاية، ويمكن للمؤسسات التعليمية توسيع نطاق جهودها لتلبية احتياجات الطلبة.
هذا النظام الأساسي عبارة عن مجموعة من التطبيقات وواجهات برمجة التطبيقات التي يمكن دمجها في البنية التحتية الحالية للمؤسسة. تتضمن هذه المنصة الجديدة روبوت محادثة تم تصميمه - مع وضع التعليم في الاعتبار- على الرغم من أن هذا الشكل من أشكال الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلته الأولى، إلا أنه سرعان ما أصبح أكثر انتشارًا.
5- بيانات أكثر ذكاءً لتقدم العمليات المدرسية، إلى جانب الحماية الأمنية للمجتمع المدرسي أو الجامعي؛ فإن أنظمة كاميرات المراقبة المزوّدة بتقنية الذكاء الاصطناعي تستخدم حالياً لمراقبة التهديدات الأمنية التي قد تتعرض لها مما يتيح الاستجابة الفورية في الوقت الحقيقي للتصدي لهذا التعدي. تزيد مثل هذه الأنظمة من قدرة إدارات المدارس والجامعات على الاستجابة لهذه التهديدات فوراً.
تستخدم المدارس الذكاء الاصطناعي بانتظام لاكتشاف الطلبة المعرضين لخطر إيذاء النفس والعنف ضد الآخرين والتنمر. يتم ذلك داخل أنظمة الشبكة الخاصة بهم، حيث يتم مراقبة أشياء عدة، مثل: رسائل البريد الإلكتروني للطلبة، والمنشورات الأخرى لتحديد التهديدات المحتملة. عادة ما يفحص البرنامج المبني على نظام الذكاء الاصطناعي كلمات رئيسية وعبارات معينة -يستخدم حالياً من قبل العديد من وسائل التواصل الاجتماعي- على الأجهزة التي تصدرها المدرسة وينبه المسؤول عندما يعثر على عبارة رئيسية مستهدفة. بالطبع، لا يزال النظام هذا يحتاج إلى التدخل البشري لمراجعة البيانات والتحقق منها قبل التصرف كآلة يمكنها فقط تفسير الكثير من هذا النوع من البيانات.
لا يعد الذكاء الاصطناعي مرتبطاً فقط بالعملية التعليمية، ولكنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية؛ فكثيرٌ منا لا يجد تفسيراً لظهور إعلانات مفاجئة له عن سلعة ما أو سؤال معين كان يدور بذهنه هو فقط. إنها تقنية الذكاء الاصطناعي التي تقترب من التفوّق على ذكاء البشر.