فاز الأستاذ الدكتور حمزة المزيني بأول جائزة يمنحها كرسي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله ونحن زملاء الدكتور حمزة ومحبيه نهنئه بهذا الفوز المستحق ونشكر الزملاء الأصدقاء القائمين على الجائزة وجامعة اليمامة ونقدر جهودهم الموفقة وتنظيمهم الرائع وقبل ذلك وبعده حسن الاختيار للفائز الأول حمزة المزيني ولم يكن حمزة الفائز الأول بهذه الجائزة فحسب بل هو الأول في أعماله وفي طريق حياته وفي دراسته كان الأول من مدرسة ذي الحليفى الذي توجه إلى التعليم العام وكان زملاؤه الذين حكى طرفا من حياتهم في سيرته من جماعة اللهم ارزقنا وعجل وكان التعجيل في الرزق عندهم أن يذهبوا إلى معاهد المعلمين فيتخرجون معلمين بعد ثلاث سنوات أو أن يذهبوا للمدارس الصناعية ويتخرجون مهنيين بعد فترة مماثلة للمعلمين وأما النوع الثالث فالمعهد الديني وفي كل هذه الثلاثة يحصل طلابها على مكافأة شهرية وهي مكافأة لها ما لها في القطاع الذي ينتمي إليه حمزة ولكنه بإصراره وفرديته رفض رفضا قاطعا أن تكون رحلته للتعليم قصيرة المدى فاختار التعليم العام الذي يذهب إليه أبناء الأثرياء والموسرين وهو ليس منهم على كل حال إذا صدقنا ما جاء في سيرته. وهو الأول من محيطه الاجتماعي الذي توجه للرياض والتحق بالجامعة الوحيدة في ذلك الوقت رغم وفرة الوظائف وإغرائها لمن يتخرج من التعليم العام وعندما تخرج من الجامعة توسعت لديه دائرة الاهتمام فكان خيار جامعته وأساتذته له أن يذهب إلى بريطانيا وهناك صار الأول الذي يرفض ما يختاره له الناس ويختار لنفسه مكانا آخر هو أمريكا وجامعاتها الفتية ويزهد في الجامعات التقليدية والعريقة حتى ولو كانت بعراقة وأصالة جامعات بريطانيا العظمى.
عاد متخصصا في اللغة (علم اللغة) وهو علم تحتضنه المعامل وقلما يخرج المتخصصون به عن دائرة اللغة والاختصاص لكنه أصبح كما خلقه الله لا يريد أن يهدأ ويترك الخلق للخالق وصار مشاكسا معاكسا يثير قضايا اللسانيات ويتابع أعلامها مترجما لأعمال من يعجبه منهم ومجادلا لمن يرى أن في قوله ما يوجب الجدل والاحتراز، كان الأول من أبناء المملكة الذي فرض رأيه واحترام منهجيته في الترجمة واللغة على إخواننا المغاربة خاصة وهم منهم في علم اللسانيات الحديثة والأول الذي فرض ترجمته لعلوم اللغة على العرب فراجت ترجماته ودراساته في الوطن الكبير ونشرت له دور النشر العربية ولا سيما في المغرب العربي ما يترجمه وما ينشره ولعله الأول أيضا الذي عرف خارج الحدود من اللغويين أو ما يسمى باللسانيين العرب. أما في الداخل فكان الأول الذي يشاكس ويعاكس أهل الاختصاص الشرعي في منازل القمر ويتحدث عن الفلك ومنازل النجوم، يرى الراؤون الهلال ويصوم الناس على رؤيتهم أو يفطرون ويقسم أنهم لم يروه ولكنه شبه لهم أصدر كتابا ضخما عن قضية الرؤية والرائين والتراءي فغضب عليه من يستطيع التنكيل به وبرؤيته وكادوا له وكاد يحيق به كيدهم ولكن الله سلم.
وحمزة المزيني متعه الله بذاكرة لا تنسى شيئا فأنا أشاركه بعض ذكرياته عن مدرسة ذي الحليفى وعندما قرأت سيرته شعرت أنه أحصى كل شيء بدقة وتفصيل لم تمحها ستون سنة حالت بينه وبينها، الأسماء، الأماكن، المناسبات، أسماء الزملاء والأساتذة ولم ينس شيئا هذه الذاكرة رغم مضي عشرات السنين أسعفته في رسم صورة لحياته وحيات من عرفهم وعاش معهم.
ومن أولويات الدكتور حمزة زعمه الباطل أنه سبقني بالدراسة وأنا أكبر منه سنا وعلل ذلك السبق ببداوتي وتحضره وأن زميله الذي معه في الصف هو أخي الأكبر عقاب بن تنباك وهذه حجة عليه وليست له فبداوة أخي لم تمنعه من الدراسة ولم تمنعني أيضا وبيني وبين أخي خمس سنوات، لكنه نسي لحبه للسبق والغلبة وهو سابق وغالب ما وصفنا به حبيبنا الغائب المحتجب اختياريا عويض رويشد السحيمي الذي أنجد فصار محمدا حين لاحظ فارق القامات وليس السنوات وهذا الفارق هو الذي أوهم حمزة بزعمه الباطل، وقد خططت للتصوير معه يوم الجائزة حتى أنشر الصورة وأثبت للناظرين الفارق الذي ذكر السحيمي وأدحض حجته بالبداوة بحجتي بالقامة وأبطل زعمه أمام الملأ ولكن كثرة الأصدقاء والمهنئين الذين احتشدوا حوله أفسدوا الخطة وأضاعوا علي الفرصة. ومن عيوب حمزة المزيني وأنا أبحث عن عيوبه للثأر منه أن مواقفه العلمية لا تقبل أنصاف الحلول ولا المجاملات التي قد تفسد عليه رأيه وإذا قال فعل، كتب في الصحافة عن قضايا المجتمع وعن التعليم ومنهجه الخفي ونال رضا قوم وغضب آخرون ولم يعبأ بهما لأنه يعبر عن موقف ورأي وهو مستقل بموقفه ورأيه وعنيد في الدفاع عنهما، وقد سلك طريقا مملوءا بالورود والأشواك وهكذا تكون مسيرة العلماء. وأخيرا نكرر التهنئة والدعوة بجوائز أكبر وأكثر وعمر أسعد وأطول.
** **
- أ.د. مرزوق بن تنباك