حق للدكتور حمزة بن قبلان المزيني أن يكون من ذوي الفضل الكبير على اللسانيات في الثقافة العربية؛ فقد أغنى مكتبتها بترجماته للعديد من المصادر اللسانية المعروفة التي أنطقها بلسان عربي مبين.
بدأت الرحلة منذ تسعينات القرن المنصرم بترجمته لأحد أهم كتب تشومسكي خلال التسعينيات؛ اللغة ومشكلات المعرفة (1990)، ثم تواصل المسير بترجمة كتب أخرى لنفس المؤلف أهمها: آفاق جديدة في دراسة اللغة والذهن (2005)، أي نوع من المخلوقات نحن؟ (2017)، أصول النحو التوليدي كما يراها تشومسكي (2020)، وكتاب اللسانيات الديكارتية (2022)، علاوة على ترجمته لواحد من أهم البحوث التي كتبها تشومسكي، التي جعلت شهرته تجوب الآفاق، ونعني بذلك مراجعته لكتاب بورهوس فريدريك سكنر (2021).
ولم تكن كتابات تشومسكي وحدها مثار اهتمام المزيني؛ بل نجد له ترجمات أخرى لا تقل شأناً ومنزلة، ومنها ترجمته لبحوث متفرِّقة من أشهر البحوث وأعمقها التي أنجزها باحثون غربيون حول اللغة العربية، جمع شتاتها في كتاب متميز اختار له عنوان: دراسات في تأريخ اللغة العربية (2000)، ومن تلك الترجمات أيضاً؛ ترجمته لكتاب ديفيد جستس، محاسن العربية في المرآة الغربية، أو دلالة الشكل في العربية في ضوء اللغات الأوروبية (2003م)، وكتاب ديفيد إيجلمان، المتخفي، الحيوات السرية للدماغ (2013)، وكتاب جورج يول، دراسة اللغة (2017)، وكتاب روبرت وليم ديكسون، هل بعض اللغات أفضل من بعض؟ (2018) وكتاب راي جاكندوف، دليل ميسّر للفكر والمعنى (2019).
كما ترجم الدكتور حمزة بعض البحوث التي أسهمت في تقديم المعرفة اللسانية إلى القارئ العربي وتيسيرها، ومن ذلك ترجمته للبابين الأول والثاني من كتاب اللساني البريطاني جون ليونز، «مدخل إلى اللغة واللسانيات»، وبحث فيليب ليبرمان، «صوت في الخلاء، كيف اكتسب الإنسان القدرة على الكلام؟»، وهما بحثان صدرا في كتابه التحيز اللغوي وقضايا أخرى (2004) ...
تكشف هذه الحصيلة عن تراكم مهم ينبئ عن اطلاع واسع ودراية عميقة باللسانيات واتجاهاتها وقضاياها الأساس ومنطلقاتها الإبستمولوجية وأبعادها المعرفية ...
ولم يكتف الدكتور حمزة بترجمة هذه الأعمال الرائدة؛ بل كان متابعاً ومدققاً ومراجعاً لما يترجم وينشر في مجال اللسانيات، وهذا ما يعبر عن حرص شديد وغيرة وتطلُّع إلى مستقبل أفضل للسانياتنا؛ ذلك ما تكشف عنه بوضوح دراساته وبحوثه المنشورة في بعض المنابر العلمية، أو في بعض الصحف اليومية، ويمكن أن نمثل لذلك بما تضمنه كتابه مراجعات لسانية؛ الذي صدر أواخر تسعينيات القرن الماضي (1999م) -من إضاءات نقدية عبّر من خلالها عن رؤيته للترجمة، وقضاياها، وعمل على تمحيص العديد من التصورات بخصوصها بالاتكاء على ركائز وبصائر معرفية متنوعة، كما عمل بكل موضوعية على مراجعة بعض المؤلفات اللسانية المترجمة إلى اللغة العربية ...
تميزت ترجمات الدكتور المزيني بمقدماتها الضافية، واقتراحاتها الاصطلاحية السديدة التي أضحت من المعروف المتداول بين اللسانيين العرب اليوم، وبأمانتها العلمية، وبتعليقاتها الضافية، وبعربيتها التي تجعل قارئها يتابعها في يسر وفي غير تكلف ... فحق له، لكل ذلك، أن يكون ترجمان اللسانيات الأول في ثقافتنا.
آن الأوان أن تستقر «النوى» اليوم بالأستاذ المزيني بين أحضان الأدب، بعد هذه الرحلة الجميلة المضنية؛ فذلك حقُّه؛ فلعله يلتذُّ لذة العالم في تلك الأحضان؛ لذة اللساني الذي ينخرط دوماً فيما هو جميل، بهذه القدرة المبهرة على البدء، فما أجمل أن (يزاحم) اللساني الأديب في عقر داره.
** **
أ. د. حافظ إسماعيلي علوي - أستاذ اللسانيات وتحليل الخطاب، جامعة محمد الخامس، الرباط