سهام القحطاني
«والمؤكد أني-كغيري من بني البشر- لم أخطط بوعي لما مررت به من تجارب في حياتي لا سيما في الفترات التكوينية الأولى، فالبشر نتاج صدف تمليها الظروف التي نشأوا فيها وتحيط بهم وتدفعهم إلى اتجاه بدلا من اتجاه آخر.»-حمزة المزيني، واستقرت بها النّوى-.
عندما تتحدث في حضرة الكبار فهذا أمر يُصعّب عليك نسج كلمات تليق بألق هؤلاء الكبار وينتابك التوجس بعدم لباقة كلماتك بما يتناسب مع فضل وفضيلة تاريخهم.
الأستاذ الدكتور حمزة المزيني قامة وقيمة فكرية وثقافية براقة في التاريخ الثقافي السعودي ورائد من رواد التعليم الجامعي، الذي لن يكون مجرد ذكرى ستنطوي مع الزمن بل سيظل تاريخا «للمثقف والمفكر العاصمي» الذي نحت من الصخور مدينة تاريخية من الإنجاز الفكري والتعليمي والثقافي.
عندما تتأمل حياته من خلال كتابه «واستقرّت بها النوى» ستكتشف أنها حياة كانت تحيط بها التحديات من كل جهاتها الأصلية والفرعية، تحديات رسمت خارطة كفاح تعددت حدودها وتنوعت مسافاتها كقوس قزح الهمت صاحبها الطموح والقدرة على القفز من فوق الصخور الملتهبة.
هو بطل حقيقي صُنع من الأزمات المتلاحقة بدءا من يتمه وفقره والطريق المتعرج في التعليم من المدرسة الصناعية إلى بريطانيا، لكنها أزمات ظلت حافزا له للصعود نحو القمة متوجا بالقامة.
إن الأزمات لا تهدم سوى هيكل الضعفاء أما الأقوياء فهي لهم «حبل صعود» إلى القمة.
تقرأ سيرته لتكتشف أنها «درس في قوة التحدي والإصرار» عرف الطريق إلى القمة وقرر تسلق الصعوبات مهما تضافرت شباكها للإيقاع به في فخاخها التي دمرت الكثير.
منذ نعومة أظافره أدرك أن الحياة كفاح وقوة إصرار، عندما ناضل في دلالته الحرفية للتحول من المدرسة الصناعية التي اكتشف أنها لا تتوافق مع طموحه إلى المدرسة المتوسطة، ليتكرر ذات المشهد بعد سنوات في بريطانيا، كان كل مرة يبحث عن التميز والإضافة وليس التفوق كتحصيل حاصل، فالقيمة أبقى أثرا من الصفة هذا المبدأ الذي جعله دوما متوجا بالتميز.
كان التفوق والتميز رفيق دربه منذ الصف الخامس الابتدائي عندما نال أول جائزة تميز في حياته «علبة أدوات الهندسة» ولعله من حينها أضمر أن يصبح التميز أسلوب حياة لطموحاته.
يقول الدكتور المزيني أن قراراته المصيرية منذ أن كان يافعا لم تكن بدراية أو تخطيط واعٍ بل نتيجة الصدف، وأنا أقول أن القدرة على الاختيارات التي تدفعنا للصعود هي إلهام خاصية تُمنح للبعض قد لاندركها ونحن صغار لكنها تٌثبت لنا كلما كبرنا ونظرنا إلى خلفنا لنقيس التأثير والأثر.
كان الطموح والقراءة حبل الصعود إلى القمة ثم الصحافة التي فتن بها منذ نعومة أظافره فكانت بمثابة صندوق الدنيا لطفل طموح حتى أصبح واحد من فرسانها.
يختم المزيني كتاب سيرته بسؤال، فهل في سيرتي الذاتية كما سردتها ما يستحق الوقوف عنده؟.
واليوم ونحن نحتفل بهذه القيمة والقامة التي نالت جائزة غازي القصيبي، نقول نعم في هذه السيرة ما يستحق فهي درس لكل الأجيال في الحاضر والمستقبل بأن اليتم والفقر والتحديات لا يُمكن أن تهزم صاحب الطموح وأن التميز هو قرار واختيار.
إن أستاذنا حمزة المزيني هو النموذج الأصدق لبيت المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
كن طموحا وستغلب العالم.