لعل كثيراً منا أو بعضنا قد قرأ سيرة الدكتور حمزة المزيني التي كتبها مؤخراً بعنوان « واستقرت بها النوى» وعرف كثيراً عن حياته التي سردها منذ الطفولة إلى الوقت الحاضر، واستمتع بتجاربه الثرة التي رواها في سيرته والصعوبات التي واجهها والخصومات والمعارك الفكرية والعلمية التي خاضها والنجاحات والإنجازات التي حققها على مختلف الصعد في حياته.
كل هذا وجدناه بطبيعة الحال في هذه السيرة، لكن ما لا نجده في سيرته المكتوبة هذه عدة سمات شخصية مميزة أهملها الدكتور حمزة بوعي أو بدون وعي تواضعاً منه، لكنها لا تخفى على كل من عرف الدكتور حمزة، فقد كان رجلاً صادقاً في حديثه ومواقفه، كريماً معطاءً لا يرد طلباً لأحد، يتفادى الدخول في خصومات شخصية قدر الإمكان ويفضل دائماً الخصومات العلمية التي تجلب الفائدة للجميع. عرفته عن كثب أول مرة عندما كان رئيساً لقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود ووكيلاً لكلية الآداب فيها، فقد كان إنساناً عملياً ودوداً في تعامله مع الآخرين أياً كانوا يؤثر السلامة في كل شيء تقريباً. كان على الدوام يقدر الآخرين ويحترم جهودهم وآراءهم، وكنت تراه دائماً مبتسماً يتكلم بهدوء ولا أذكر أنني سمعته يتحدث بصوتٍ عالٍ مهما بلغ موضوع الحديث خطورة.
كان لا يحب الحديث عن الآخرين وكان يُرى منشغلاً بنفسه وأعماله وترجماته، وما أن تستفسر عن شيء منها إلا ويجيبك بإسهاب حول موضوعاتها ومضامينها وإشكالات المترجم منها. هذا فيما بدا لي كان حديثه المفضل. وعرفت في الدكتور حمزة عزة النفس فلا يمكن أن يتنازل ولو قليلاً عن مبادئه وما يؤمن به مهما كان الثمن مغرياً، فهو حريص على حفظ كرامته على الدوام. كما كان صريحاً جداً في طرح آرائه في كل شيء يتحدث عنه تقريباً، ولكنها صراحة لا تجرح الآخرين ولا تثيرهم وإن كانت لا تعجبهم أحياناً، يطرح ما يراه بأسلوب هادئ رصين محترم يقدر للآخرين حقهم في طرح أفكارهم وآرائهم، حتى وإن اختلف معهم.
ولا أكتمكم سراً أني كنت ألح عليه باستمرار في كتابة سيرته الذاتية، لأني كنت أدرك الفائدة والمتعة التي سيجنيها القراء من هذه السيرة، وقد تحقق ذلك، وصدق توقعي بتميزها إفادةً وإمتاعاً، ولعل فوزها مؤخراً بجائزة الدكتور غازي القصيبي في مجال الأدب خير دليل على ذلك.
ولأني لست هنا في معرض سرد كل صفات الدكتور حمزة الجميلة ومحاسنه لضيق المقام، أرى أنه شخصية تستحق هذا التكريم من الجزيرة الثقافية وهي صحيفة وطنية عريقة ورائدة، فلها الشكر والتقدير على هذه المبادرة الجميلة وهذا الاحتفاء المميز التي يستحقه الدكتور حمزة بكل جدراةً.
** **
أ.د.صالح معيض الغامدي - أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك سعود