حمزة المزيني من الأسماء الأكاديمية اللامعة التي تجاوزت محيط السعودية لتنتشر سمعته في الأوساط الأكاديمية العربية، والدليل على ذلك حجم الاقتباسات والإشارات إلى منجزاته العلمية. يمكنني هنا أن أقصر حديثي في هذا الملف على الكفاح العلمي لحمزة المزيني عبر مسارات ثلاثة جعلت في رأيي المزيني يكتسب هذه الشهرة التي يحظى بها، وكلها يمكن أن نصنفها تحت عنوان عريض هو تصحيح الوعي الأكاديمي في مجال الدراسات اللغوية. لقد أمضى المزيني حياته يحارب من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير في مختلف المجالات وعلى كل المستويات العلمية.
أول المسارات التي أعنيها: تغذية الوعي الأكاديمي بما يجد في الدراسات اللغوية في العالم، ويظهر ذلك في حجم المؤلفات العلمية المهمة في النظرية اللغوية التي قام حمزة المزيني بترجمتها لتكون بين أيدي المهتمين بالدراسات اللغوية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
(اللغة ومشكلات المعرفة)، تأليف نعوم تشومسكي.
(آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل)، تأليف: نعوم تشومسكي.
(دراسة اللغة) تأليف جورج يول.
(الغريزة اللغوية: كيف يبدع العقل اللغة) تأليف ستيفن بنكر.
وغيرها كثير.
وثاني هذه المسارات التي تصب فيها مؤلفات المزيني: تصحيح الوعي الأكاديمي وتنقيته من بعض الشوائب غير العلمية، التي امتزجت به عند بعض الدارسين، عند طغيان الجانب العاطفي على النواحي العلمية في سياق الكلام عن اللغة العربية بحماس شديد وتحيز مفرط مما أدى إلى اعتبارها لغة فريدة في العالم، ليس ككل اللغات، وإنما هي أفضلها على كل المستويات أصواتاً وصرفا وتركيبا ومعجما، وبعضهم عدّها أم اللغات. هذه الظاهرة دفعت المزيني إلى تأليف كتاب مهم ونادر في بابه، وسمه بعنوان (التحيز اللغوي وقضايا أخرى استعرض فيه ظواهر التحيز اللغوي عند كثير من الأمم، وفصل فيه مظاهرها في التراث العربي، ولم يكتف المزيني بهذا بل ترجم كتابا مهما في هذا المجال عالج هذه القضية بمنهجية واستقصاء، ذلك هو كتاب روبرت وليم ديكسون Are Some Languages Better Than Others? هل بعضُ اللغات أفضلُ من بعض؟
موقف المزيني من الأطروحات غير العلمية، بل والخرافية أحيانا ألّب عليه أعداء كثُر تشككوا في انتماءاته ومواقفه الثقافية والقومية، ووصل الأمر ببعضهم إلى عده عدوا للعربية. ولكن عند التمحيص والنظر الموضوعي نجد أن المزيني أبعد ما يكون عن هذا الوصف الجائر، وليت الذين يرددون هذه الأقاويل يدركون أن المزيني لا يرفض الطرح العلمي والموضوعي الذي يفند مزاعم أعداء العربية من الغربيين الذين لا يختلفون عن أنصارها المتحيزين في الشرق لاعتماد الفريقين على الأسطورة والعاطفة وإقصاء النظر العلمي جانبا. لقد دفع الموقف العدائي والعنصري بعض الغربيين المزيني إلى أن يترجم كتاب ديفيد جستيس The Semantics of Form in Arabic, in the Mirror of European Languages (دلالة الشكل في العربية في ضوء اللغات الأوروبية) الذي تقصّى مؤلفه كثيرا من الشبهات والمعلومات المغلوطة عن العربية التي يتداولها بعض الكتاب الغربيين.
وثالث المسارات الذي قد يغيب عن بعض الدارسين هو ترجمة المزيني لمجموعة منتقاة من الدراسات العلمية التي أنجزها بعض علماء اللغات السامية والمستشرقين التي تعالج بعض قضايا العربية، فضمنها كتابا بعنوان (دراسات في تاريخ اللغة العربية)، وكأني به يريد أن يقدم نماذج للدرس العلمي الغربي لقضايا العربية التي لم تلقَ من الدارسين العرب اهتماما كافيا أو معالجة موضوعية مناسبة.
** **
أ.د. سالم سليمان الخماش - كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز