أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: شَهِدَتْ عصور الازدهار في الثقافة العربية علماء موسوعيون تنوعت اهتماماتهم بتنوع الساحة العلمية في عصرهم؛ فكان العالم منهم: فقيهاً ونحوياً وأديباً وناقداً وشاعراً؛ ثم هو مع ذلك كله عالم في أحد العلوم الطبيعية؛ وعندما يتذاكر الباحثون في تلك العصور: يترحمون على أعلامها، ويرون أن التبحر في معارف متعددة أمر مضى زمنه؛ وقد صدقوا في ذلك؛ فأولئك الرجال قد ظن الزمان بهم؛ لكن قد يجود الزمان بهم بإذن الله سبحانه وتعالى على فترات متباعدة بآحاد من أولئك العلماء؛ ولقد سمعت حواراً بين ظاهري وظاهري يتبادلان الثناء على بقية أولئك العلماء الموسوعيين؛ وسمعت الظاهري يـخبر صديقه بأنه من أسرة العقيل القاطنة في إقليم الوشم من نجد، ويتسمى بـ(الظاهري) لانتسابه إلى المدرسة الظاهرية التي إمامها الثاني (أبو محمد بن حزم) رحمهما الله تعالى؛ وصفتهم أنهم يتمسكون بالكتاب والسنة، وينبذون الرأي كله من قياس واستحسان؛ مع أنهم يقدرون للعقل قيمته في معرفة معاني النصوص والتمييز بينها؛ وقد أتـهم الظاهري الشقراوي باستقلالية في الرأي منذ وقت مبكر من حياته، ورفض تقليد من حوله، وتفرد في كثير من أمور شؤونه العلمية؛ فحرص على البحث والتنقيب في جوانب المعرفة المختلفة؛ ولهذا تعددت اهتماماته، واستقل برأيه؛ فجاء باحثاً في ميادين شتى؛ فهو أديب وعاشق للفن والجمال.
قال أبو عبدالرحمن: وإليكم نص قصيدتي في الإمام أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى:
أفنيت مقتبل الحياة تلاعباً
ووعيت لهواً لم يفد عقباله
شعر النبيط يشوقني ما صاغه
راكانه العجمي أو هذاله
قال أبو عبدالرحمن: راكان بن حثلين، وهذا الشيباني.
هزل من الملحون يلهي لغوه
ويصد عن غرر البيان حثاله
ما تلك إلا بيئة عايشتها
وتراث شعب يجتبى زجاله
حسب الأريب إذا تفيأ منشأً
أن لا يبح بمنتداه هداله
حتى تغنى بالملامة ناصح
شيخ تمكن في الحشا إجلاله
قال أبو عبدالرحمن: هو فضيلة الشيخ (صالح بن غصون) رحمه الله تعالى صرفني من الأدب الشعبي إلى العلم الشرعي.
ما راعه شدوي بذاك مرتلاً
عن ظهر قلب ما تحشرج باله
لكنه رحم اليراعة والحجى
أن لا يجند في المجال زماله
طوراً يسلط بالنصيحة مشفقاً
وتجيش طوراً بالأسى أمثاله
قال أبو عبدالرحمن: هو والدي (عمر بن عبدالرحمن بن عبدالله العقيل) رحمه الله تعالى.
حمم من التعنيف يغني بعضها
والغر يعجز في الملام حياله
هذا كتاب الله حسبك حفظه
في موقف يربو غداً مثقاله
وحديث (أحمد) لو تجوس رياضه
إن الأئمة في الورى حـماله
ومتون علم لو وعيت أصولـها
فحصيل سعيك والضنى أفلاله
قال أبو عبدالرحمن: ما لا خير فيه.
يا ليت شعري هل تبيت مسامراً
لغواً ومثلك يحتسى جرياله
قلل من المأثور يعنت جمعه
ويهيضني مع رسمه إملاله
فدلفت للعز المرجى حائراً
كموله ضاقت به أجواله
أو ليس كل أليف إلف واله
حتى يروض صبره استبداله
لم يغنني إنصافهم أو زادهم
من رمز علم هاضني استثقاله
قال أبو عبدالرحمن: (الإنصاف، والزاد) من كتب الحنابلة.
تالله لم أهدر تراث أئمة
للدين حافظ وهم أبداله
لكنما يمنى العظيم بلين
ويراض بالغض الغضيض أفاله
قال أبو عبدالرحمن: الأفال: صغار الغنم.
غيري تبرم باليبوسة لائماً
وأشاد بالعذب النمير زلاله
شيخ تمكن في الشريعة فقهه
لولا العوار رمت بهن نباله
يرضيك للوجدان عذب بيانه
ويتيه دوماً بالدليل مصاله
تغري حديث العهد فيح سهوله
وتشده للمعضلات قلاله
يا صاحب العلم الغزير تشوقنا
أحكامه إيصاله فخصاله
قال أبو عبدالرحمن: هذه من مؤلفات الإمام أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى.
أبديت من غرر البيان غرائباً
غيداقها عذب جرى سلساله
هذا المحلى لم يطب لفقيههم
فتوىً أباها فقهه وجداله
قال أبو عبدالرحمن: هو العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالى.
داويت بالأخلاق كل رذيلة
وشجاك من ترف الحديث زلاله
قال أبو عبدالرحمن: لابن حزم كتاب (مداواة النفوس)؛ وهو كتاب في الأخلاق.
فالطوق مرسال الهوى حبرته
بدماء قلب هاجه بلباله
قال أبو عبدالرحمن: كتاب طوق الحمامة، والبلبال: شدة الهم والوسوسة.
أطلقت قيد العقل من أغلالهم
وهناك بالتقليد شد عقاله
إن قيل من للحكم فهو فقيهه
أو قيل من للنقل فهو صقاله
شيم إمام المسلمين بغربهم
يهفو لهن جنوبه وشماله
وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى؛ والله المستعان.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -