د. محمد بن إبراهيم الملحم
يتحدث الناس اليوم في مجالسهم وكذلك في بعض البرامج عن ما يُعرف في علم الإدارة التربوية بـ»التشاركية في صنع القرار» Participation in Decision Making وذلك على إثر قرار الفصول الثلاثة الذي يرون أنه غيَّر معالم خطط الأسرة السعودية وأربك حياتها الاجتماعية، ويستهدفون من هذا الحديث نقد وزارة التعليم كونها لم تأخذ آراء المجتمع قبل الانتقال إلى هذه الخطوة التي أثرت عليهم كثيراً، ويؤسفني إن مثل هذا الطلب يأتي فقط في سياق أمر «غير تعليمي» بالدرجة الأولى أو مرتبط كثيراً بنماء الطالب الأكاديمي والمعرفي وإنما هو يمس حياة الكبار في المقام الأول سواء الآباء منهم أو المعلمين فهو يعكر عليهم صفو خططهم الزمنية بانتهاك مساحة زمنية كانت شاغرة لهم لمدة طويلة وحرمانهم منها، لذلك ازدهر سوق مثل هذه النظريات العلمية في فن الإدارة لتستخدم في معرض الحديث، وليت شعري أين هي عندما قررت الوزارة مقررات تثقل كاهل الطالب ولا يتقن المعلم تدريسها مثل التفكير الناقد أو عندما طورت مناهج مستقرة إلى نسخ أكثر صعوبة وذات لغة متقدمة على مستويات طلابنا اللغوية «المتواضعة» مثل مناهج ماكجروهيل في العلوم والرياضيات! أو غير ذلك من الممارسات الموجودة في المنظومة التعليمية ولها آثار سلبية جداً على تعلّم الطلاب وأبرزها تساهل المعلمين في التقييم الجاد!
أنا لا أرمي بهذا أني مع تصرف وزارة التعليم في ما صنعت بالفصول الثلاثة (وإن كنت أؤيدها كفصول ثلاثة وأعترض على طريقة التطبيق المزعجة جداً) ولكني أريد الإشارة كيف أن مجتمعنا ينزعج لصالح ذاته لا لصالح مصلحة أبنائه الطلاب «التعليمية» في المقام الأول، أذكر أن أحد الأولياء الأمور دخل مكتبي للمراجعة بشأن ابنته وذلك أن مدرسة ابنته تكدست بها الطالبات أكثر من طاقتها الاستيعابية لتصل إلى 50 طالبة بالفصل الواحد! فتقرر نقل عدد منهن إلى مدرسة الحي المجاور الأقل عدداً فتتوازن أعداد الطالبات في فصول كلتا المدرستين وتصبح في حدود 30 طالبة في الصف الواحد مقارنة بـ 50 طالبة في مدرسة ابنته الحالية، وبحسب أسبقية التسجيل كانت ابنته من ضمن من نقلتهن الإدارة من مدرستها المتكدسة إلى مدرسة الحي المجاور فأصبح لا بد أن يوصلها والدها بالسيارة بدلاً من ذهابها مشياً على القدمين، وهنا كانت مطالبة الأب أن تعود ابنته إلى مدرستها الأساس لكي يتسنى لها الذهاب مشياً على القدمين، فسألته سؤالاً أمام الحاضرين: هل أنت تراجعني لأجل مصلحة ابنتك أم لشيء آخر؟ قال لا بالطبع أنا لم آتِ إلا لمصلحة ابنتي، فقلت له إذن مصلحة ابنتك أن تدرس مع 30 طالبة وليس مع 50 طالبة، أي في مدرسة الحي المجاور، وهذا يعني أن تتعب أنت قليلاً في توصيلها لأجل مصلحتها، لكن مصلحتك أنت أن تبقى ابنتك في مدرستها الأساس مع 50 طالبة، حيث تقل الفائدة التعليمية كثيراً وترتاح أنت من التوصيل. فماذا تختار؟ فأحرج الرجل وقبل بالوضع الجديد.
هذا المثال يحكي حال مجتمعنا ( والسوشال ميديا) مع نوعية القرارات الوزارية، فما يؤذي الكبار تقوم قيامة المجتمع لأجله وما يؤذي الصغار لكن بصمت ودون أن يدركه إلا من يهتم للشأن التعليمي والآثار بعيدة المدى فلا تسمع عنه إلا قليلاً من التعليق... صحيح أن القرار الجديد كانت له آثاره السلبية (الاجتماعية والنفسية) على الطلبة من خلال الإجازات الكثيرة المتكررة التي لا يستفاد منها، بل ضررها النفسي أكبر وكذلك ضرر عدم الاستعداد بالمقررات وجوانب أخرى، لكنما هناك قرارات وزارية أخرى لها آثار «تعليمية» أكبر من هذه كما أسلفت ولم تحصل على نفس الاهتمام والزخم، وعموماً سأتحدث في هذه السلسلة عن مسألة التغيير التعليمي Educational Change ونظرياته وكيف يجب أن تتعاطاه المؤسسات التعليمية كما وضحت ذلك أدبيات هذا الموضوع في علم الإدارة التربوية وذلك لنستفيد من موجة اهتمام المجتمع بمسألة التغيير التعليمي فابقوا معنا...