مها محمد الشريف
تحت ضغط الحرب، والكوارث المتلاحقة، والعداء القائم بين الأمم، نستطيع أن نتساءل هل تحولت القارة السمراء لساحة تنافس بين الشرق والغرب؟ وهل تهيأت لنقطة ارتكاز للعمل السياسي للذين يبحثون بدورهم عن طريقة في استغلال الظروف لغاياتهم في مواجهة الخصوم، فدور روسيا والصين في قارة إفريقيا في سباق دائم، ومدى تغلغلهما داخل القارة يكشف دورهما فيما يخص أزمة سد النهضة، ولديهما أدوار مهمة في شؤون إفريقيا، فالدور الرئيسي للصين هو التدخل في التطور الاقتصادي، خاصة في البنية التحتية والمشاريع التي تخلق تواصلاً في القارة، وحضورها الناعم يعكس أولوياتها من الناحية الاقتصادية والسياسية، ويساهم في تشكيل أهدافها وغايتها وضمان تفوقها التجاري وتنميتها الاقتصادية وتأمين المواد الأولية الإستراتيجية.
إما هدف روسيا الرئيسي فيختص بمجال الأمن، مثل التعامل مع مشاكل كالتمرد المضاد والإرهاب المضاد، وتوسيع نفوذها في إفريقيا خلال الأعوام الماضية، وبعد غزوها لأوكرانيا، تحرس القيادة الروسية على مزيد من الداعمين الجدد، أو على الأقل أن يلزموا الحياد، في المحافل والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، بداية من ليبيا إلى مالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق وكينيا ودولة جنوب إفريقيا، وهي شريكة لروسيا في مجموعة «بريكس» (التي تضم في عضويتها أيضاً البرازيل والهند والصين)، فروسيا تلعب دوراً عسكرياً لمساعدة تلك الدول على محاربة المتمردين أو الميليشيات الجهادية.
مثل هذه التساؤلات تظل قائمة بعد العقوبات المفروضة على روسيا التي حرمت البلدان الإفريقية من الحصول على الحبوب والأسمدة، الأمر الذي فاقم مشكلة الأمن الغذائي في إفريقيا، وجعلت الأوضاع أكثر سوءاً، لأنهم غير قادرين على الحصول على القمح الروسي والأسمدة، وهو ما يشكِّل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي في القارة السمراء.
ستظل السياسة كما هي رغم انتظامها واعتلالها عصية على العقلانية، ودور الإرادة السياسية حاسماً للحفاظ على النظام أو القيام بتعديله، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتن «ملتزماً ومدركاً أن أزمة العقوبات تتسبب بمشاكل خطيرة للاقتصادات الضعيفة مثل الاقتصادات الإفريقية».
وهكذا، تتعارض الدول وتقف ضد بعضها إذا اشتد التنافس وتباينت المصالح فالقرن الإفريقي منطقة إستراتيجية تشمل 4 دول، هي الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، ولم تكن هذه المزايا الجغرافية تخلو من بعض الآثار السلبية، فقد تأسس مفهومه من اعتبارات تاريخية أعطى لأعدائه فرصة الوصول، حيث توالت الصراعات الممتدة تاريخياً قومية وثقافية، وتقدَّر مساحته بحوالي ثلاثة أرباع مليون ميل مربع، وهو منطقة حيوية للتجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وأكثر المناطق نزاعاً على النفوذ بين القوى العظمى والإقليمية المعنية.
تلك المنطقة تكتسب أهميتها الإستراتيجية والعسكرية باعتبارها مجاورة للمحيط الهندي، كما تعد نقطة اتصال مع شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط، إضافة لوجود مضيق باب المندب الممر المهم لناقلات النفط والغاز والبضائع والأسلحة، ما جعلها محطة إستراتيجية تتكالب عليها القوى الدولية، مما أفضى إلى تركيز السلطة السياسية على القرارات الاقتصادية وأكسبها تغييراً كبيراً أدى إلى التشريع وجعل الحلقة المفرغة تستمر في الدوران وتتشبث بسياسات المصالح في إفريقيا.
حتى التزمت بعض دول العالم بالطاعة والامتثال لهذه القوى، ونزعت عن حدودها الأسلاك الشائكة وعبدت لها طرق الجحيم بحق التصرف والتشريع الصارم، أملاً في سلام دائم وحماية مواردها الطبيعية وحياة أفضل، لأنها غنية بثروات طبيعية هائلة تعتبر قوة كامنة هائلة، ولكن طبيعتها الجغرافية وثرواتها الطبيعية جعلت منها مجالاً حيوياً للتنافس الدولي، ودعوة لاستغلال هذه الثروات، لذلك تأسست القواعد العسكرية بالقرن الإفريقي.
في الوقت الذي تعمل فيه على استعادة النفوذ الأمريكي وتثبيت وجودها نظراً لما تمثِّله إفريقيا من أهمية سياسية وإستراتيجية واقتصادية للدول الكبرى، بحكم وجودها الأقدم وقواعدها العسكرية في جيبوتي، إذ يوجد بها أكثر من 4 آلاف فرد، كما تمتلك قواعد عسكرية سريّة في دول القرن، وفي كينيا قاعدتين بحريتين، وقاعدة جوية في إثيوبيا، وفي غضون ذلك تنوعت الغايات والأطماع، وقد ارتفع التفاوت إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة وازداد معه أيضاً الاعتقاد أن هذه النزاعات حادة.