م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- استقلال الجامعة يعد المُمَكِّن الأول لتحقيق المستهدف منها من إنجازات.. هو الذي يُمَكِّنها من أن تكون البيئة الحرة التي ينمو فيها الفكر ويتحرك فيها العقل وينتج.. هذه المنتجات منها ما سوف يستمر ويثمر ومنها ما سوف يكون كغثاء السيل يذهب زبده فيُفْصح عن لا شيء.. فحقل المعرفة يَنْبت فيه الطيب والخبيث.. يُنْبت معرفة الثمر ومعرفة الظل كما يُنْبت معرفة التلوث.. وللمجتمع أن يحصد ما يراه نافعاً له وخيراً لمستقبله، دون تحكم يفرض نوعاً واحداً للمعرفة، أو صوتاً واحداً للتلقي، أو شكلاً واحداً للفكر، أو اتجاهاً واحداً للرأي.. أو يتحكم في سرعة حركة الأفكار أو سعة انتشارها أو عمق تأثيرها أو المدى الزمني الذي تدوم خلاله.
2- دور الجامعة حتماً هو دور مستقبلي في المقام الأول.. فهي مكان دراسة الواقع القائم وبحث الحلول المستقبلية.. هي مقر للتفكير والتنظير ومختبر التطبيق.. وبيئة الاكتشاف والاستكشاف للأفكار والعقول والمواهب.. وهي المنصة التي يتعلم فيه الناشئة المسؤولية ومعناها وتَحَمُّلها وتبعاتها ونتائجها.. والفضاء الذي تُمَارَس فيه مبادئ الأخلاق ويقظة الضمير وسمو الإنسان.. هي المنبر الذي تدار في حرمه الجدالات والنقاشات والحوارات، تحت مظلة حماية الرأي وتشجيع الاجتهاد.
3- الجامعة إذا لم تكن رافداً مؤثراً في المشهد الفكري والثقافي والاجتماعي والبحثي للمجتمع الذي تنشط فيه فهي مجرد مدرسة ثانوية كبيرة.. فالجامعة يُنْتظر منها تقديم الأفكار والمناهج والمعالجات.. وتخريج الكوادر القادرة على المساهمة في مواجهة الإشكالات الفكرية أو المجتمعية المعقدة التي تحتاج إلى جهد منظم لمواجهتها.. الجامعة هي المرجعية الموثوقة لتكوين فرق معرفية وفكرية وعلمية دون أن يتم تصنيفها حزبياً أو أيديولوجياً.. وهي الدرع الواقي للأفكار والمعارف من تأثيرات السياسة والأيديولوجيا حتى لا توجهها حسب مصالحها وليس حسب مصلحة المعرفة البحتة.
4- ليس دور الجامعة أن تكون الفصل الدراسي الذي يُدَرَّس فيه تراث السابقين للاقتداء به بل لتحليله ونقده.. أو الفصل الدراسي الذي تُدَرَّس فيه الفلسفة الأوروبية لتَعَلُّمها فقط بل لتطبيق مناهجها منطلقين من أسئلة المجتمع ذاته.. أو الذي يُدَرَّس فيه علم الاجتماع دون معرفة الثقافة المجتمعية الحاضنة للجامعة، وتشكلات المجتمع البشرية المحيطة بالجامعة.. أو المكان الذي تُدرس فيه النظرية دون بحوث ودراسات ميدانية وتطبيقات على أرض الواقع والخروج بنتائج تُبنى عليها قرارات.. وليست هي الفصل الدراسي الذي يتم فيه اجترار المعلومات والمعارف القديمة بل هي المكان الذي تُنْتَج فيه المعرفة.
5- الجامعة ليست شهادة علمية يحصل عليها الطالب، بل هي قنطرة العبور من حياة الرعاية في كنف العائلة إلى حياة الإنتاج في ميدان العمل.. الجامعة هي المؤسسة التي تُبنى فيها شخصية طالب العلم ليصبح كفاءة عاملة.. وهي الساحة التي يؤسس فيها الشاب شبكة علاقاته الخاصة، ويتعرف فيها على نفسه وما يحب وما يريد، ويحدد أهدافه ويشكل رؤيته.. هي المناخ الذي سوف يتيح له المجال لممارسة هواياته ويطور من مهاراته وتتشكل فيه شخصيته.
6- الجامعة تعني الخروج الأول من محيط الحي وزملاء الدراسة الثانوية إلى محيط أوسع وأشمل.. والانعتاق من إسار تقييد الحرية داخل أسوار المدرسة والحصص المترادفة إلى حرية القرار الشخصي.. الجامعة تعني الانفتاح على أفكار ومشارب جديدة لم نعهدها سابقاً ونبدأ نعد نفسنا لاتخاذ مواقف تجاهها.. في الجامعة نتعرض لمحاولات الإقناع والتجنيد واتخاذ المواقف إما للمساندة الداعمة أو للرفض والمقاومة.
7- الجامعة بالنسبة لنا نحن السعوديون تعني السيارة الأولى.. كما تعني كتابة خاطرتنا الأولى وقصيدتنا الأولى ورسم لوحتنا الأولى ووقوعنا في حبنا الأول.. في الجامعة نتعلم كيف نفكر بمنهجية ونكتب بتركيز ونبحث بعمق.. في الجامعة يكتمل وعينا ونؤسس اللبنات الأولى لحياتنا التي سوف نقضي بقية أعمارنا في البناء عليها.. في الجامعة نتعلم كيف لا نقع ضحية لثقافة الأفكار الجاهزة.. ونتعرف على مصطلحات جديدة، مثل: التفكير خارج الصندوق.. فالجامعة هي القاطرة التي تحمل الأفكار وتُشَكِّل المواقف.