حسن اليمني
كَلِمَتَا «يجب ويشترط» تشابه إلى حد كبير إشارة المرور في تقاطع طريق الملك عبدالعزيز مع طريق الإمام أنس بن مالك، وأوجه التشابه كثيرة ستأخذنا في رحلة متناثرة بين ما يجب وما يشترط.
كلمة «يجب» صارمة لا خيار لك أمامها إلا أن تكون أو لا تكون ولا شيء آخر، وفي الاتجاه من الشمال إلى الجنوب أو العكس على طريق الملك عبدالعزيز فإنك لا بد وأن تعد ست مرات انفتاح الإشارة وانغلاقها قبل السابعة مسبّعة بالتبلّد لتجتاز ذلك التقاطع، أما كلمة «يشترط» فهي بمثابة حكم تأهيل لا بد من اجتيازه سواء كنت قادم من الشرق أو الغرب في طريق أنس بن مالك للدخول إلى طريق الملك عبدالعزيز، إذ إنك إذا استطعت أن تصل إلى الإشارة في ذاك المسار الضيّق المكتظ بالسيارات الواقفة بشكل فوضوي أمام محلات تجارية متلاصقة حد الاختناق في حلق ذلك التقاطع دون أن يخرجك أحد عن مسارك تصبح ساعتئذ مؤهلاً لمشاهدة سيارة المرور الواقفة تحت الجسر في تلك الزاوية.
الأصل في ما يجب هو الالتزام، بمعنى أن الواجب التزام طبيعي مستحق منك للآخر، لكن «يجب» هذه تستخدم في الأغلب لدينا من جهات الالتزام في منح الواجب أو الالتزام للآخر المستحق بلزومية أن يتشكل ويتكون هذا الآخر المستحق ليتناسب وما يختاره الملتزم بما يجب، شاهدنا ذلك أيام ظهور حي ما كان يُسمى (الدخل المحدود)، حيث توجب المنح المقدمة أن تكون أسطح المنازل متلاصقة، ثم شاهدناه في وجوب أن لا يزيد علو البناء عن دورين، وتتالت هذه الـ»يجب» إلى أن وصلنا أن لا يكون قد استفاد من الصندوق العقاري، وعلى هذا قس في كافة الخدمات والضرورات الواجبة لتوفير هذه الخدمات.
والأصل في ما يشترط هو التحديد الفئوي للعطاء، فأنت لا تعطي المستغني وإنما تعطي المحتاج، وكي تدخل ضمن الفئة المستهدفة حسب الشروط فعليك أن تكون كما يريد المشترط، والأمر هنا يبدو طبيعياً ومنطقياً ولكن من لا يستطيع الإيفاء بهذه الشروط لعجزه يصبح خارج الاستحقاق وقد يكون في حقيقة الأمر هو الأحق المستحق، شاهدنا ذلك في إعلان وظائف تشترط الشهادة الجامعية ثم زادت تشترط اللغة الإنجليزية ثم زادت باشتراط معرفة الحاسب الآلي وهي في تصاعد، كذلك الحال في دخول المنافسات والمناقصات، وعلى هذا قس في كثير من الشؤون.
من البداهة الطبيعية حضور «يجب ويشترط» لتقديم المستحق لمن يستحق فهي بمثابة تبويب طلبات الاستحقاق حسب الغاية والهدف لتحقيق المصلحة العامة ولكن ماذا عن حساب هذه الغاية وهذا الهدف وماذا يجب ويشترط فيه كي يحقق الاستحقاق المستحق؟ وما الذي يجعل ما «يجب ويشترط» والذي تحدده وتنظمه الجهة المقدمة للخدمة هو الصحيح؟ بالتأكيد هي النتائج لكن المشكلة أن هذه النتائج إن لم تتطابق في البيانات مع الواقع صارت هي الأخرى في حاجة إلى «يجب ويشترط» والذي يجب ويشترط من الخادم والمخدوم هو أن تكون النتائج على الواقع وليس البيانات، وعلى سبيل المثال تجتهد وزارة الإسكان في حل مشكلة الإسكان بشكل لافت ومشهود لكن سعر العقار ارتفع أضعاف أضعاف سعره قبل ظهور هذه الحلول حتى أصبح المقتدر عاجز، هذه النتيجة التي أعطت بيانات جيدة واختلف معها ناتج الواقع ليس إنصافاً تحميلها لوزارة الإسكان ولكن لو أن تخطيط المدن وحين كان يرسم تقاطع طريق الملك عبدالعزيز بطريق أنس بن مالك عمل على هندسة زوايا ذاك التقاطع بحيث تزيح اكتظاظه بعيد عن حرم الطريق لحماية انسياب مساراته لكانت النتيجة فيما بعد في الواقع أكثر من رائعة ولم يضطر المرور لوضع إحدى مركباته تحت الجسر ليُظْهِر تبرؤه من التعسّر والاختناق الذي لم يكن له يد في وجوده، وما ينطبق على التقاطع المذكور ينطبق على كافة التقاطعات بين الطرق الرئيسية في المدن وحتى القرى، كذلك الأمر ينطبق على «يجب ويشترط» في كافة الخدمات وتوفير المستحقات والواجبات متى اتسعت أكثر في رؤية ابعد لمدى الحاجات عوضاً عن خنق وتضييق الحاجات المستحقة لتتناسب مع الحلول المتيسرة لهذه الجهة أو تلك، هذا ليس إبداعاً، الإبداع أن تعطي الحلول نتائج تنهي المشكلة والمشاكل المحتملة في سعة ومساحة النظرة المستقبلية للأشياء، وهذا يحتاج إلى خيال عاشق.