عطية محمد عطية عقيلان
الحلاق من أقدم المهن التي احتاجها الإنسان، والغالبية تذهب إليه، وكان قديماً لا يكتفي بالحلاقة بل يقوم بأعمال جانبية أخرى جراح وكحال وطبيب أسنان وحجام ومزيّن وختان أولاد، وكذلك يقوم بأدوار تسويقية لمنتجات من الشامبوهات والكريمات والوصفات والأجهزة، وهذا استدعى من الحكومة البريطانية عام 1745م إصدار قرار يمنع الحلاقين القيام بأي فحص أو إجراء طبي لخطورة ذلك على العميل «لاحظوا هذا المنع قبل أكثر من 250سنة».
وطال التطور والتخصص الحلاقين، فلم تعد مهنة تعتمد على الممارسة والتجريب والتعلم في رؤوس «الأيتام» كما يقال في المثل، بل أصبحت هناك معاهد معتمدة ودورات لإعدادهم وتدريبهم، لهم درجات ونجوم وتزيين ملابسهم وتؤثر في أجرة الحلاقة عندهم، مع تطور أيضاً في الرقابة الصحية من خلال وضع ضوابط صارمة لحماية الزبائن من الأمراض المعدية. واشتهر عن الحلاقين الثرثرة وكثرة السؤال والتدخل في شؤون الزباين، بل يتعداه أن يقدم التوجيه والنصح له، وكان حلاق الحارة كنزاً من المعلومات والحكايات عن زبائنه، وتجسد أوبرا «حلاق أشبيلية» للإيطالي جوانكو روسني، والتي يلعب فيها الحلاق فيجارو والذي كان سليط اللسان، دوراً رئيسياً في انتصار الحب وزواج الحبيبين في المسرحية، وذلك نتيجة معرفته ما يدور من خلال كرسي الحلاقة، كذلك جسّد الممثل إسماعيل ياسين في فيلم «حلاق بغداد» هذه الشخصية مفتخراً بأن جده كان حلاقاً منذ أيام الدولة العباسية، ورغم حاجة الناس إلى خدمات الحلاق، إلا أنه كان ينظر إليه بدونية نتيجة ممارسة بعضهم للنميمة والثرثرة، وكان الإسكندنافيون القدماء لا يسمح بأخذهم معهم إلى أرض المعركة. وتحول جلنا في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وفي المجالس كصاحبنا الحلاق، نخزن الكثير من القصص عن فلان أو علان، إضافة إلى الفتوى في كل شيء، وتحليل الأخبار، ونثرثر بما نعرف وما لا نعرف، بل تجاوزنا الحلاق وتحولنا وكأننا رواة أو حكواتية نجيد رواية القصص وتبهيرها، بل تعدى الأمر ذلك وأصبحنا نمارس دور الموجه والشرطي والقاضي والحكم على الآخرين وتصنيفهم وإطلاق الأوصاف عليهم، خاصة في فئة تدعي القدرة على كشف ما في القلوب ومعرفة النوايا والقصد من الآخرين.
عزيزي القارئ، لي ولك لا تجتهد وتزبد وترعد مع كل اختلاف، أو تتفاعل مع كل خبر أو تغريدة أو رأي، فقد يكون الطرف الآخر الذي تناقشه أو تجادله، طالباً في الصف الابتدائي أو أمياً أو ريبوتاً آلياً، ولكننا اغترينا بالأسماء والصور في التعريف به، مع معرفتنا مسبقاً بوجود مغردين وهميين وإن كانت أسماؤهم وصفاتهم ودرجتهم الحقيقية توهمك بأنهم حقيقيون، فأضعف الإيمان لا تصدق الشائعات أو الأخبار التي تطلق منه هذه الحسابات الوهمية وإن كان يضع حكمة أو صورة شجرة أو مفكراً أو فناناً أو لاعباً مشهوراً ومات من عشرات السنين، لأنك كما يقال «تناقش طبل»، مع التذكير أن هناك ما يسمى بالذكاء الاصطناعي والتي تستخدمه الشركات والدول من أجل التأثير في المتلقين وتوجيههم، سواء كان الهدف جيبك، أو كان الغرض فكرك ورأيك، وإن كان خلاف معتقداتك وقيمك ووطنك، وللعلم من العقبات التي أسهمت في فشل صفقة الملياردير الون ماسك لشراء تويتر هي ادعاؤه أن عدد المستخدمين الوهميين لا يقل عن 20 % وقد يصل إلى 90 %، بينما تقول الشركة إنهم لا يتجاوزون 5 %، مع السماح في تويتر بوجود ريبوتات آلية يقومون بنفس ما يقوم به البشر من إعجاب وإعادة تغريد، وتستخدم في الترويج التجاري ونشر أخبار ومعلومات مزيفة وكاذبة بغرض التأثير على المستخدمين وتوجيههم حسب مصالحهم وغاياتهم، وختاماً نؤكد على عدم الحماسة وتذكر عند التعاطي واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وأحياناً المحللين، وكأنك على كرسي الحلاق ستسمع الكثير من الآراء والنظريات والتحليلات من «الحلاق» ولكن بمجرد خروجك من عنده وانتهاء الحلاقة ستعود إلى العالم الحقيقي وستعتبر حديثه مجرد تسلية ولا يؤخذ على محمل الجد.