عطية محمد عطية عقيلان
تتنوع الوسائد في مقاساتها ومحتوياتها، وتختلف أسعارها بناء على ما تحتويه من مواد، فأغلاها الريش وخاصة من بطن الأوز وأرخصها المصنوع من الأسفنج، طبعاً لا يعني أن الوسائد غالية أو فخمة أو كبيرة بأنها، تمنحك النوم الهانئ والمريح، ولكنها تكون عاملاً مساعداً والعكس صحيح، وهناك عادات وطقوس لكل واحد منا في نومه وطريقة اختياره وتعامله مع الوسادة، وهناك من يأخذ وسادته معه في كل مكان يذهب إليه حتى لا يتعكر وتتغير طريقة نومه، لأنه يجد الراحة بها وتعود عليها، بل إن الوسادة ارتبطت بالشخص بأنه تحمل همومه ويشكو لها أنينه، لذا يقال في المثل «كبر الوسادة أو المخدة» لترتاح عند نقل كلام الناس لك أوحدوث شيء سيئ معك، وهي كناية عن أن الوسادة الكبيرة تساعدك في الراحة والنوم الهانئ، وكذلك في الحياة تحتاج إلى تفعيل ذلك في ردات أفعالك، وذلك بالتطنيش وتكبير «دماغك» وعدم التدقيق في كل صغيرة وكبيرة، حتى تنعم بالهدوء والراحة وتقل مشاحناتك مع الجميع، لذا يقال من الخصال الحسنة للشخص هو قدرته على ضبط انفعالاته وردات أفعاله وصعوبة إثارته واستفزازه، وكلما أجاد الإنسان فن التغافل استطاع قفل أبواب الشر والتقليل من خسارة الناس، يقول شكسبير «التدقيق في أتفه التصرفات، قد يهوي بك إلى الجنون، لذا تغافل مرة وتغابى مرتين»، وطبعاً التحكم في ردات الفعل من الصعوبات التي تحتاج إلى تمرين وصحبة جيدة، تعينك لضبط النفس ومحاولة تخفيف أي كلام جارح أوظالم أو مفترى يقال عنك، لذا من الأشياء الجميلة التي تقال كطرفة وفيها حكمة بالغة وتجسيد لمعنى «تكبير الوسادة»، أنه قيل لأحدهم: فلان يتكلم عنك ويحكي ما يحدث معك من قصص ومقالب وبالسوء في كل مجلس، فكان ردة فعله، أن قال له: فيه الخير أنه ما زال يتذكرني ويذكركم بي، وكأن هذا الرد كفيل بقفل باب تأجيج الخلاف ومحاولة القطيعة ودرس للناقل بسوء عمله، ومنها أيضاً أن رجلا جاء إلى علي بن الحسين فقال له: إن فلانا شتمك، فقال إن كان ما قاله في حقا فغفر الله لي، وإن كان باطلاً، فغفر الله له.
لذا عزيزي القارئ لي ولك، نحن بحاجة ماسة إلى أن نأخذ العبرة من تكبير الوسادة أحياناً، لننعم بحياة مريحة، ونقلل قدر الإمكان من المشاحنات والقطيعة والزعل والتشره والعتاب والملامة، وأن نمنعها ولا نقوم بها مع الأقارب والأرحام والأصدقاء، وهذا يستوجب منا أن نتعامل مع كل ما يصلنا بهدوء وتروٍّ «ونكبر الوسادة» حتى تتضح لك الأمور بعيداً عن ردات الفعل السريعة، يقول الفقيه ابن الجوزي: «ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، أحبابه وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته.» ونختم بقول د. لورانس ابشتاين وهو طبيب متخصص في النوم حيث يقول «أي شيء من شأنه أن يجعلك أكثر شعوراً بالراحة، سوف يزيد من احتمالات تمتعك بنوم جيد».