خالد بن عبدالكريم الحقيل
مما لا شك فيه أن العالم وخاصة عالم الأعمال بدأ منذ فترات بشكل جدي بالالتفات لدور المراجعة الداخلية، ومدى تأثيرها على مخرجات المؤسسات والشركات، ثم امتد الاهتمام ليبلغ ذروته في القطاع العام وما يتعلق بالهيئات الحكومية والوزارات على مستوى العالم العربي والخليجي بشكل خاص.
حيث بدأنا نشاهد الندوات وورش الأعمال والاجتماعات الدولية المتعلقة بخط الدفاع الثالث ألا وهو المراجعة الداخلية.
فهل يا ترى تساءلت يوما لم تلك الأهمية لهذا النشاط...؟
سأبدأ بتعريف المراجعة الداخلية، وهي نشاط مستقل وموضوعي، يقدم خدمات تأكيدية واستشارية، ويهدف إلى إضافة قيمة للجهة من خلال تحسين عملياتها وتحقيق أهدافها باتباع أسلوب منهجي منظم لتقييم وتحسين فعالية أنظمة الرقابة الداخلية.
وللمراجعة الداخلية عدة معايير للصفات وأخرى للأداء وأبرز معايير الصفات الاستقلالية والموضوعية.. والذي سنتحدث عنه بمقالنا هذا..
حيث إن ذلك المعيار يعني أن يكون نشاط التدقيق الداخلي مستقلا، ويجب على المدققين أداء أعمالهم بموضوعية ولا تتحقق الاستقلالية إلا بإمكانية الوصول المباشر دون أي قيود للإدارة العليا ومجلس الإدارة، ومعيار الموضوعية كذلك لا يتحقق إلا بعدم تبعية أحكام المدققين الداخليين بشأن مسائل التدقيق لآراء الآخرين.
كذلك يتم تعريف الاستقلالية للمدققين الداخليين من المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي) بأنها التحرر من الظروف التي تهدد قدرة نشاط التدقيق الداخلي أو الرئيس التنفيذي للتدقيق الداخلي من تأدية مسؤوليات التدقيق بطريقة غير متحيزة، وتسمح الاستقلالية للمدققين الداخليين بتقديم أحكام نزيهة وغير متحيزة تعتبر جوهرية لتنفيذ عمليات التدقيق.
كما يتم تعريف الموضوعية من قبل نفس المنظمة بأنها الموقف العقلي غير المتحيز الذي يسمح للمدققين الداخليين بتنفيذ عمليات التدقيق بطريقة يكون لديهم فيها إيمان صادق بنتاج عملهم، وان جودة عملهم لا يتم المساس بها بأي شكل من الأشكال.
كذلك نلاحظ أن استقلال المدقق عن الأطراف التي قد تضر نتائج التدقيق بمصالحها هام جدا ومطلب جوهري، وهذا للأسف لم يتم مراعاته بعدد من الجهات، حيث يتم ربط المراجعة الداخلية أو رئيسها التنفيذي بمن هو دون المسؤول الأول بالجهة كنائب أو مساعد أو غيره مما يعيق تحقيق أهم ركائز المراجعة الداخلية ألا وهو الاستقلالية التنظيمية والتبعية للمسؤول الأول بالجهة سواء كان برتبة وزير أم مجلس إدارة أو لجان المراجعة أو أيا كان مسمى ذلك المسؤول.
وقد لا يعلم المسؤول الأول بأن اسناده تلك الإدارة ذات العمل الجوهري لطرف ثانٍ سيؤدي حتما ومع مرور الوقت إلى تعطيل أو ضمور أو عدم الوصول إلى ذروة نشاط المراجعة والذي يحقق أهداف الجهة، وقد يترتب عليه تعاظم مخاطر الجهة دون معالجة بسبب تضارب المصالح ومن ثم الاضرار بالجهة على كافة الأصعدة ماليا وإداريا وتنظيميا.
كذلك قد لا يعي ذلك المسؤول أيضا انه بتفويضه أو اسناده ذلك قد يقضي على خط الدفاع الثالث بمنشأته، ويجعله صورياً، حيث تتصدى المراجعة الداخلية لأي قصور أو اخلال بالعمل أو تقصير لم يتم اكتشافه من خلال كل من: خط الدفاع الأول المتمثل بالإدارة التشغيلية وإجراءات الرقابة الداخلية والإدارية، وخط الدفاع الثاني المتمثل بإدارة المخاطر والالتزام والرقابة المالية والجودة، لذا تكمن أهمية المراجعة الداخلية في صد أو معالجة المخالفة بعد أن تسللت من كلا خطي الدفاع السابقين.
لذا نؤكد على أهمية تأمين استقلالية كاملة للمراجعة الداخلية سواء كانت على المستوى التنظيمي أو المالي أو الإداري، وجعلها كما هي بالفعل كطرف رقابي شبه محايد يعمل لصالح المنشأة بهدف حمايتها من أي ممارسات غير نظامية مع رفع مستويات أدائها بالشكل الأمثل، والذي سيعود نفعه على كافة منسوبي تلك الجهة حيث مع المراجعة المستقلة الحقيقية ستتولد العدالة التنظيمية والوظيفية تباعاً.
كما تجدر الإشارة إلى أهمية حضور ومشاركة المهتمين بالمراجعة الداخلية من مدققين وغيرهم بالمنتديات الداخلية والدولية المتعلقة بتحديثات المراجعة الداخلية والوقوف على أساليب التدقيق الحديثة لتتزامن مع التطور الاقتصادي بالأعمال، وكذلك الحرص على حضور فعاليات وورش أعمال ومنتديات وندوات مكافحة الجرائم المالية، وكذلك ما يتعلق بالمخاطر والحوكمة والالتزام حيث انها نشاطات هامة ومتلازمة مع المراجعة الداخلية في ذات الأهداف، وسأنتهز الفرصة هنا للثناء على جهود المملكة العربية السعودية ممثلة بقيادتها الرشيدة في النهوض بهذه المهنة على مختلف الأصعدة وتشجيعها بالأجهزة الحكومية وإقامة الندوات والمؤتمرات المستمرة للارتقاء بالمهنة، وعلى الصعيد الداخلي تجدر الإشادة بجهود الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين والتي تضاعف نشاطها وأصبحت أكثر عمقا وتركيزا على بناء قدرات المراجع الداخلية بالقطاع العام تحديدا، ولا ننسى مركز تدريب الديوان العام للمحاسبة الذي تنبع رسالته بتقديم برامج متخصصة في مجالي المحاسبة والمراجعة الحكومية، حيث أضحى كأكبر مراكز التدريب بالمملكة وواجهة مشرقة لكل المراجعين الداخليين.
ونهاية لهذا المقال فلتكن على يقين بأنه في حال بحثك عن بيئة أعمال صحية أو معرفة مدى نجاح منشأة من فشلها فلتختصر جهدك ووقتك ولتبحث أولا عن المراجعة الداخلية بها.