سلمان بن محمد العُمري
الأحاديث الإعلامية والمقابلات حتى الإلقاء ومثلها الكتابة موهبة لايصل إليها كل أحد، وقد تكتسب بالتجارب والخبرات، ولا يعني بروز شخص ما في فنه وتخصصه وشهرته الواسعة أن يكون صالحاً ومهيأً للحديث للناس ومخاطبة الجمهور بل وحتى إجابة المذيع في لقاء تلفازي أو إذاعي، بل وحتى في الأحاديث المكتوبة في الصحف والمجلات والتي عادة ما تمر عليها يد الرقيب فتعدل وتبدل أو تحذف على خلاف اللقاء المرئي والمسموع الذي لا يمكن تغييره.
وفي الآونة الأخيرة مع اتساع رقعة انتشار وكثرة الفضائيات أصبحنا وأمسينا نرى ونسمع الكثير من الشطحات والأخطاء المتكررة غير العفوية من أناس كنا نظن أن تخصصاتهم العلمية ستكون ضابطاً لهم في وزن كلماتهم قبل إطلاقها، وهذه الشطحات تكررت عدة مرات، وقد اعتذر تكراراً ومرارًا من الزلات صاحبها، وأحياناً يعتذر بأسلوب البعض أنه لم يفهم مقصوده، وهلم جرا بعد كل سقطة.
من الزلات والانفلات الفكري والنفسي وليس اللساني أن بعضهم خرج في لقاء تلفزيوني لا ينتقد جيل الآباء والأمهات والأجداد على بعض التصرفات التي قد يراها هو وغيره سلبية بل تعدى ذلك بقوله: ("الله لا يعيد جيلنا ولا جيل آبائنا"، ويبرر مقولته بأنهم كانوا يدوسون على عيالهم ويقفلون عليهم?.
إننا نحمد الله سبحانه وتعالى على ما من به علينا من آباء وأمهات كانوا حريصين على هداية أبنائهم وتهذيبهم وتعويدهم مكارم الأخلاق، ونبذ كل سلوك مشين وغرس القيم والمبادئ والتعامل الحسن مع الآخرين، وما يراه البعض في ظاهره قسوة، هو رحمة وشفقة بالأبناء وليس تسلطاً ولا جبروتاً كما يراه البعض، والأدهى والأمر أن المتحدث يريد من الأبناء أن يتمردوا على والديهم ومعلميهم، ولقد رأينا ثمار بعض هذه الآراء السلبية في هروب الفتيات والوقوع في براثن المخدرات، وصحبة رفقاء السوء من الجنسين، ورأينا ظاهرة كثرة قضايا الخلع في مجتمعنا وقد كنا لانكاد نسمع بها مطلقًا.
إن للجيل السابق أفضال ومعروف علينا وما نراه - ولله الحمد - من نجاحات على مستوى الأفراد والجماعات في مجتمعنا إنما هو بفضل الله عز وجل ثم بفضل المربين من الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات؛ فجزاهم الله عنا خير الجزاء، فقد كانت تربيتهم سبيلاً لتوسيع المدارك وتنوير العقول، وتهذيب النفوس وتعزيز الأخلاق والقيم، وبث الإخاء والألفة والحب، واحترام حقوق الآخرين، واحترام الغير والشهامة والمروءة وكافة مكارم الأخلاق.
لم يكن آباؤنا وأمهاتنا من ذوي الشهادات ولم يدرسوا في الجامعات، ولكنهم كانوا جامعة في كل أدب وخلق قويم، فلقد غرسوا فينا الانتماء لهذا الدين، ولهذا الوطن، وأن نحترم ذواتنا ولا نلحقها ما يعيبها، وحذرونا من الإضرار بالآخرين، وأدبونا على الأدب النبوي الكريم بأن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا، وأن نحترم من هو أكبر منا سننًا وأن نقدر ونعطي لكل ذي حق حقه.
إن من لايرى في الجيل السابق إلا بؤرة القسوة والجور والشتم والضرب وغير ذلك فلربما أنه يتحدث عن حالات خاصة عانى منها أو عايشها، ولا يمكن أن نعمم حالات فردية على الجميع ونصفها بالتربية القاسية المذلة الموجعة، ولو كان الأمر كما قال فإني على استعداد ومراهنة، وفي مجال تخصص المتحدث، وأقول ان مراجعي العيادات النفسية من الرجال والنساء هم فيما يزيد على 95 في المئة من الجيل الذي تربى على الدلال الزائد، وليس من تربى على يد "جيل الطيبين"؛ فجيل الآباء لم يكن الضرب والشتم سلاحه بل كان يستخدم أسلوب "القدوة" و"النصح"، ثم آخر العلاج "الكي" لمن يعصي ولا يسمع ولا يطيع وكانوا مصابيح أضاءوا لنا طريق حياتنا ويبحثون عن مصالحنا ولنرتقي في سبيل الكمال الإنساني.
لست مع القسوة في أي وقت وفي أي جيل، أذكر أنني أعددت بحثًا خلال مرحلة الماجستير في التربية عن العقاب البدني "الضرب" في المدارس، وبينت ما هي المعايير في هذا الجانب فلا للمنع المطلق، ولا للانفلات والقسوة سواء في البيت أو في المدرسة، وكما قال أحد العلماء جعل التعليم مقرونًا بكرامة النفس وهي قوام التربية فإن المعاقبة على الذنب بالإهانة أو القسوة لا تؤدب النفس لأنها تؤنب ولا تؤدب، وقال ابن خلدون الشدة على المتعلمين مضرة بهم.
ومع آراء المتأخرين وحينما اختفت كلمة "عيب" رأينا آثارها السلبية في سلوك الجيل الجديد وانفلات البعض منهم؛ فلم نرَ الإيثار ولا احترام الكبار، ورأينا الأنانية والخروج عن المألوف ورأينا كثرة مراجعي العيادات النفسية.