الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نبه الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم بن سليمان العُمري أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، والباحث في السيرة النبوية، عضو اتحاد المؤرخين العرب إلى أن الكتابة أو نشر قضايا تاريخية من غير المتخصصين تحتاج إلى شيء من الاستشارة لأهل الاختصاص، والتأكد من مناسبة الحديث عن هذا الحدث.
وقال الاستاذ الدكتور عبد العزيز العُمري في حواره مع "الجزيرة" إن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليست مثل سيرة غيره، ولابد من الرجوع إلى المصادر الرئيسية والصحيحة والروايات المختلفة، وإن من الواجب علينا عرض التراث الإسلامي بأحدث الوسائل المعاصرة على أبنائنا، وأنه كلما ابتعدنا عن تراثنا وتاريخنا وعزتنا بالإسلام قلَّ عز الإسلام.
كما تناول الحوار مع د. العُمري مجموعة من القضايا والمسائل المتعلقة بالتاريخ الإسلامي وحضارته، وسيرة المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.
وللأستاذ الدكتور عبد العزيز العُمري ما يزيد على خمسين بحثاً منشوراً، وأربعة وأربعين كتاباً، وأشرف وناقش عشرات الرسائل للماجستير والدكتوراه في السيرة النبوية والتاريخ والحضارة، وله حضور مميز في المؤتمرات والندوات العلمية في داخل المملكة وخارجها، وإسهامات وطنية، وبرامج ثقافية وإعلامية وتطوعية وخيرية متعددة، وفيما يلي نص الحوار:
* ما المنهجية المعتمدة في كتابة التاريخ الإسلامي، وما المقدمات الواجب استيعابها قبل البدء بالسرديات التاريخية؟
- أولاً التاريخ وكتابته له مختصون به يبحثون عن أصل الحدث وأصل الرواية ومصدرها وما يتبعها من مواقع أو شخصيات أو ملابسات أو علاقات، وبالتالي المنهجية تعتمد على مصادر وخصوصًا المصادرة الأولى لذكر الحدث وهي منهجية مؤصلة، ولعل من يطّلع على كتاب الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاويون ممكن أن يُدرك هذه المنهجية فرانز روزنتال في كتابه عن المؤرخين المسلمين التاريخ والمؤرخون المسلمون له في هذا المجال باع طويل في معرفة هذه المنهجية ومقارنة المؤرخين بعضهم ببعض، وأشاد في هذا الكتاب وهو مستشرق أسباني أشاد في هذا الكتاب بمنهجية المؤرخين المسلمين، ولذلك من المهم جدًّا معرفة المنهجية وأن من لا يختص لا يُقحم نفسه في الكتابة إلا بعد أن يستشير المختصين، مقدمات طبعًا الواجب استيعابها معرفة العصر أو الحدث الذي يكتب عنه، وكذلك أهم مصادر ذلك الحدث ولكل حدث رواة قد يكونون من شهود العيان ممن حضره وهم أهل للثقة، ولذلك هؤلاء تُقدّم رواياتهم والمؤرخين المتأخرين ربما يكون لديهم منهجية خاصة في الجمع بين الروايات المتعددة وتمحيصها وغير ذلك من الأمور، ولعل ممن يُستفاد فيه في هذا المنهج من المتأخرين إلى حدَّ ما ابن كثير، حيث إنه استوعب من سبقه وكتب بطريقته الخاصة ولذلك الكتابة أو نشر قضايا تاريخية من غير المختصين تحتاج إلى شيء من الاستشارة لأهل الاختصاص، والتأكد من مناسبة الحديث عن هذا الحدث لأن بعض الأحداث قد تُساهم في التثبيت وفي تحطيم المعنويات وهذه قد لا يكون من المناسب سردها وإيرادها في أوقات معيّنة، ولذلك التاريخ مدرسة، التاريخ فقه، التاريخ حدث يستطيع أن يؤثر على حدث ماضٍ يستطيع أن يؤثر على مجريات الأحداث بشكل إيجابي فإن كان سلبيًّا فلابد من الحذر منه.
* سبق أن أصدرتم موسوعة "رسول الله وخاتم النبيين.. دين ودولة"، وترجمت لعدد من لغات العالم، ما الجديد فيها؟
- لا أزعم أني أتيت بجديد بل إني اصطففت مع من ألّف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الكتاب فيه 5 مجلدات كل مجلد له عنوان مستقل وهذا العنوان يشمل مراحل السيرة أو هذه العناوين تشمل مراحل السيرة المختلفة، وبالتالي فإنها تخدم السيرة بشكل إجمالي، وأزعم أنني - بحمد الله - عُدت إلى المصادر الرئيسية والصحيحة والروايات المحققة لأن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليست مثل سير غيره ونحن نعرف أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : (من كذب عليّ متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار) هذه الموسوعة في 5 مجلدات اختُصرت في مجلد واحد وهو الاصطفاء في سيرة المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، وقد تُرجمت بحمد الله إلى 14 لغة منها الفرنسية والإنجليزية والروسية وجزء منها بالإيطالية وكذلك القرغيزية والأردو وكذلك الإندونيسية والبرتغالية وغيرها من اللغات المعاصرة المستخدمة في كافة أنحاء العالم، كذلك كتاب بناء المجتمع المدني في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - تُرجم إلى الألبانية وإلى البوسنية وإلى الإنجليزية وإلى الإيطالية وإلى الروسية وغيرها من لغات العالم، إضافة إلى كتاب الفتوح الإسلامية الذي تُرجم إلى اللغات الإنجليزية ولغة الأردو، وانتشر - ولله الحمد - في المكتبات المتخصصة حول العالم وبفضل الله عليّ انتهيت بكتابة موسوعة خاصة بالشمائل النبوية تقع في 6 مجلدات وهي تحت الطباعة حالياً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون فيها ما ينفع الإسلام والمسلمين.
* الراصد لسنة وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجدها مليئة بالكثير من الشواهد في خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم الإنسانية، وأنتم ممن قام بذلك من خلال دراساتكم وأبحاثكم العلمية التاريخية، ومنها الأوقاف، فما أبرز ما خرجتم به؟
- أولاً سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كُتب فيها مؤلفات مختصة بفقه السيرة أمثال: محمد الغزالي والبوطي، وكذلك الشيخ الدكتور عبد الكريم الزيد وغيرهم ولذلك السيرة ليس سرد حدث بل هو فقه لهذا الحدث والاستفادة منه ولذلك في كتابي الخاص عن رسول الله وخاتم النبيين حاولت أن أورد عند كل حدث الدروس المستفادة من هذا الحدث، فيما يتعلق بالأوقاف لدي كتاب عن الأوقاف العامة في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين تعرضت في لما ينفع الناس من أوقاف عامة وهي تختلف الأوقاف الذرية الأوقاف العامة يأتي في مقدمتها المساجد وموارد المياه والأحماء وهي الأماكن المخصصة للرعي الموقفة لهذا الأمر، وكذلك المقابر بل والطرق وما يرتبط بها وتعد من الأوقاف التي يُمنع الاعتداء عليها وبعد تمصير الأمصار في عهد الراشدين أضيف لها أشياء أخرى منها محلات الكناسة وهي أماكن حتى تجميع القمامة كانت تعد أماكن عامة في تلك الفترة.
* من خلال خبرتكم في مجال تحقيق التراث والآثار الإسلامية.. إلى أي مدى تستفيد شعوب الأمة الإسلامية من تراثها، وماذا ترون لتحقيق الاستفادة القصوى من تراثنا الإسلامي المبعثر في أنحاء عديدة من دول العالم؟
- دعني أشير وبكل حزن إلى أن التراث الإسلامي يتعرض لهجوم شديد من أبنائه فلا يكاد شيء من هذا التراث يوجد إلا وتعرض لهجوم وخصوصاً من قبل عدد من الإعلاميين وهذه هجمة عامة لضرب المعنويات وللتشكيك في الثوابت وفي التراث، وفي الوقت الذي مع الأسف يقدس ويقدم فيه تراث الغرباء على تراثنا نحن وحيث يتعرض للتشكيك بين يدي الأمة وفي وسائل الإعلام التي لها توجهاتها الخاصة، لتحقيق الاستفادة القصوى من تراثنا الإسلامي المبعثر في أنحاء عديدة من دول العالم لابد الحقيقة أن يتحرك الجادون لعرض هذا التراث بأحدث الوسائل المعاصرة على أبنائه في الوقت الذي نرى أن الآخرين والغرباء يعرضون ما لديهم بشتى وسائل التواصل الحديثة وغيرها نجد بذلك عزوف لدى البعض منا على هذا الجانب وقد يكتفون بالكتابة وهذا أمر محزن في هذا الوقت.
* تعرض التاريخ الإسلامي كثيراً لمحاولات الدس والتشويه مما أدى إلى اختلاف الكثير من المناهج التي تدرس في العديد من الدول العربية والإسلامية..كيف يمكن تحديث وتطوير مناهج التاريخ الإسلامي بحيث تقدم صورة موحدة وصحيحة حول تراثنا العريق وأمجادنا العظيمة؟
- هناك تنكر لتاريخ العالم الإسلامي وهناك تركيز على جزئيات على حساب كليات ولعل العناية بالإنسان وحفظ حقوقه وما يرتبط بذلك وأحداث تؤدي إلى عزة المسلم وعزة كل إنسان في بلده وبوطنه وبتراثه الإسلامي الذي هو جزء من تاريخه في ذاك البلد لعل الاعتزاز بذلك يكون من أهم المؤشرات التي يمكن أن تؤدي إلى شيء من التقارب والتجانس داخل الوطن ومع الآخرين وتراثنا الحقيقة مليء وعميق وكثير الأحداث ذات الصبغة الإنسانية والنورانية والتي يتنكر لها الكثيرون مع الأسف الشديد في هذا الوقت وتبقى على كثير من الأمة في مختلف البلدان يطغى عليها تقديس تراث الآخرين وتناسي تراثها.
* ما ردكم على المستشرقين ومن على شاكلتهم من أبناء جلدتنا ممن شككوا في إنسانية الحضارة الإسلامية، وبالتالي في إنسانية الإسلام نفسه؟
- هؤلاء أصلاً يشككون في أنفسهم بالدرجة الأولى وهؤلاء مع الأسف الشديد لو ناقشتهم لوجدتهم أنهم من أجهل الناس بالتاريخ ومعرفة تاريخ ما قبل الإسلام والعصور الإسلامية والعصر الحاضر وما وصل إليه الإنسان المسلم في شتى بقاع الأرض من عزة وتمكين في فترات سابقة، وما سبق المسلمون غيرهم فيه من جوانب حضارية في العلوم التطبيقية في الطب والهندسة والمعمار وغيرها يُدرك أنه كلما ابتعدنا عن تراثنا وعن تاريخنا وعن عزتنا بالإسلام قلَّ عز المسلمين، وأتذكر هنا قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما نبتغي العزة بدونه يذلنا الله)، ولذلك نستطيع أن نجمع بين المعاصرة والحداثة وبين الاحتفاظ بجذورنا التاريخية وبين إنسانيتنا ولذلك لا يوجد حضارة أكرمت الإنسان وأسعدته مثل الحضارة الإسلامية الحضارة المادية وحدها والتي تطغى على العالم اليوم ليست مقياسًا للسعادة بل ربما الحضارات القديمة التي جعلت الإنسان ضحية بعبوديته لغير الله ولجبابرة مروا في ذاك التاريخ وتلك الفترة وتضحيتهم بالآلاف من البشر في سبيل حتى أحيانا إضحاك رجل من هؤلاء ربما يُدرك الفرق بين تاريخ الإسلام وحضارته وبين الآخرين.