خالد بن حمد المالك
انتهت الانتخابات النيابية في لبنان، وخسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في عدد أصوات المجلس، ودخل المستقلون بقوة في هذه الدورة، وظهرت القوات اللبنانية تمثِّل أكثرية أصوات المسيحيين متقدمةً على ما كان يمثِّلهم وهو التيار الوطني الحر - حزب الرئيس عون الذي يقوم على شؤونه صهره جبران باسيل - وسقط نائب رئيس المجلس في الانتخابات، ومثَّل الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة جنبلاط الدروز بتسعة أصوات على حساب أرسلان الذي فشل في الانتخابات.
* *
كان حضور المذهب السني دون تنظيم، أو توافق، وبلا مرجعية، بعد أن فجَّر سعد الحريري في الوقت القاتل قنبلته بالإعلان عن أنه لن يرشح نفسه، ولن يسمح لأي أحد بأن يرشح نفسه تحت مظلة تيار المستقبل الذي كان يجمع المسلمين السنة على مدى عقود، وحذا حذوه رؤساء الوزراء السنة، وآخرين غيرهم، حيث نأوا بأنفسهم عن هذه الانتخابات، فذهبت بعض أصواتهم إلى الثنائي الشيعي، لكنها لم تنقذهم من خسارة الأكثرية في المجلس، فيما لم يحافظوا على حقهم في تمثيل المسلمين السنة، بعد أن تآمر عليهم سعد الحريري.
* *
لكن كل هذا لم يغيِّر شيئًا في تركيبة المجلس، ولن يغيِّر شيئًا في الحالة اللبنانية المزمنة، فقد أعيد انتخاب نبيه بري للدورة السابعة رئيسًا للمجلس، ليكمل من عمره (35 سنة بالتمام والكمال) رئيسًا، والبدء بالتحضير من الآن لاختياره في الدورة القادمة إن كتب الله له الحياة، ليبلغ الأربعين من عمره رئيسًا، مع أنه الآن، وقبل حلول الدورة الثامنة، وحتى بدون الدورة السابعة، هو أطول زمنيًا من رأس مجلسًا نيابيًا في العالم.
* *
الجديد في المجلس ليكتمل إفشاله، وتحجيمه، وشل قراراته، أن نائب رئيس المجلس تم اختياره أيضًا من الموالين لرئيس الجمهورية ميشيل عون خلفًا لنائب المجلس السابق المحسوب على سوريا وحزب الله، ما يعني أن المجلس بمن يُقال إنهم يمثِّلون الأقلية فيه هو صاحب اليد الطولى في كل قرار سوف يصدر خلال الخمس السنوات القادمة، وسيكون هو الفاصل في اختيار رئيس الجمهورية الذي لن يخرج عن دائرة الولاء للثنائي الشيعي وبالشراكة مع التيار الوطني الحر، أي أننا أمام مستقبل غامض يتربص بلبنان، وأن الحديث عن الأكثرية، أو دخول مستقلين هو حديث من باب التسلية ليس إلا، لأن القرار خارج سلطة من يفاخرون بأكثريتهم.
* *
كان اللافت بعد انتهاء التصويت بالمجلس النيابي مشهد المظاهرات الصاخبة، والتغطية الإعلامية الواسعة لها بمناسبة فوز نبيه بري دون منافس برئاسة المجلس للمرة السابعة، وبشكل متواصل مما ينم عن أن لبنان لا يزال يدور في حلقة مفرغة من الضياع، والهروب عن أي توجه يقوده إلى تصحيح أوضاعه المأسوية، من أمن وعيش كريم، وقضاء على الفساد المستشري بالبلاد، والتخلّص من سلاح حزب الله، ومنع التدخل الإيراني المشبوه في لبنان وغيرها كثير.
* *
وسيل المؤامرة على لبنان لم ينته بعد، فهناك استحقاقات مهمة: اختيار رئيس الجمهورية ولن يخرج عن مواصفات ميشيل عون وتوجهاته، وتسمية رئيس الوزراء، وبعده تسمية الوزراء، ولن يكون حالهم بأفضل من حال الحكومات خلال فترة رئاسة عون للبلاد، فلبنان يعاني من مؤامرة إيرانية كبرى ينفذها بعض النافذين في الأحزاب اللبنانية.
* *
ولم يكن متوقعًا أفضل مما حدث، فهذا لبنان، بتاريخه، وإعلامه، وثقافته، أصبح سجينًا، ولا يملك قراره، وبالتالي فإن ما جرى يوم الثلاثاء الماضي في المجلس النيابي هو نتاج مؤامرة كبرى ضد هذا البلد الصغير، تقودها إيران، ويتولى تنفيذها الوكلاء بالنيابة، وعلى رأسهم حزب الله، وتحديدًا عميلها أمين عام الحزب حسن نصر الله، بينما يقف العالم بدوله كبيرها وصغيرها شاهد زور على وضع لبنان غير الذي تراه، متجاهلاً ما يمر به هذا البلد الجميل من ضياع لا نهاية ولا حدود له.