لدينا نماذج فيما نسميه أدب الرحلات ومنها التاريخي كرحلات ابن بطوطة وابن فضلان أو رفاعة الطهطاوي إلى صاحب الرحلات المعاصرة أنيس منصور وحتى حكايات مسافر لـ مصطفى محمود. وكم كثير تزخر به المكتبة العربية من مشاهدات.. غير أن القارئ يحتاج إلى دراسة محتوى أي منها وفق معطيات العصر وظروفه الخاصة.. في زمن بن فضلان مثلا كانت مناطق الدول الاسكندنافية وقبائل الفايكنج جدا متخلفة وهمجية بينما يمثل هو دور المستنير القادم من الشرق المتحضر شاهداً على فروق التخلف.. جاءت رؤيته حينها قيّمة وناقدة لصالح النموذج الأكثر وعيا ومعرفة فنحن أمام ناقل ومشاهد هو الأنضج فكريا ومتقدم حضاريا. وبالتالي نظرته هي الأقرب للصواب. إذا ما لزم التجرد.
كتب أنيس منصور أنه حينما زار أحد مساجد إندونيسيا وجد دولابا محكم الاغلاق في أحد الأركان قيل أنه يحتوي كتبا مقدسة حين قام بتفحص تلك الكتب تعجب إذ وجد من بينها كتاب ألف ليلة وليلة وبعض الكتب التاريخية.
الرواية فن عظيم ومشوق وكاشف يرصد حركة المجتمع ويستشف ما به من عيوب ومثالب وفي هذا قدر من المعالجة إن لم يكن الأساس. كنت شاهداً ذات يوم حين جاء صحفي أوروبي إلى إحدى المكتبات في مصر يسأل عن رواية يوميات نائب في الأرياف رائعة توفيق الحكيم كان ذلك خلال فترة الانتخابات في عهد مبارك.
تبين من الحديث الذي دار بينه وصاحب المكتبة أنه يركز على دراسة حادثة تزوير الانتخابات ورمي الصناديق في النيل التي تناولها الحكيم في الرواية. في أحد الأيام شاهد نجيب محفوظ رجلا شاحبا بائسا بلغ من العمر أرذله في مقهى من مقاهي القاهرة حين سأل من ذلك الرجل قيل إنه اللواء حمزة البسيوني مدير السجن الحربي في عهد عبدالناصر كان بسيوني معروفاً بالقسوة والوحشية في تفننه بتعذيب المعتقلين السياسيين. بعدها كتب نجيب روايته الخالدة الكرنك عن تعذيب المعتقلين في سجون عبدالناصر.
ومن أعوام خلت ضجت الأوساط الثقافية لدينا واحتفت بظهور رواية بنات الرياض كعمل أدبي مدوي على افتراض أن كاتبة الرواية تناولت المسكوت عنه وكشفت ازدواجية المجتمع السعودي, ورغم ما ذكر عن تواضع مستوى الرواية الفني إلا أنها أحدثت حالة من الفزع وجدلا داخل المجتمع المحافظ بدليل أن نادي المدينة الأدبي أعلن عن ورقة نقدية للرواية يطرحها أحد النقاد وكنت ضمن من حرصوا على الحضور ووجدت القاعة على غير المعتاد مكتظة بالجمهور المتشوق إلا أن الندوة للأسف الغيت في اللحظات الأخيرة قبل بدئها ولم يكن لهذا الفعل ما يبرره عدا الخوف من مواجهة المسكوت عنه وهذا ماجعل الرواية فاعلة أنها أحدثت جدلا وتساؤل المجتمع ليس جاهزا لمواجهته.
أحب أن أختم وقد أطلت وان كان المجال يتسع بالاشارة إلى قراءتي روايتين مع الفارق رواية هند والعسكر التي تناولت تهميش المرأة. في مجتمع ذكوري مهيمن ويفرض على المرأة رأيه ووصايته ورواية ثلاث بجعات برية التي تتناول سيرة عائلة صينية عبر أجيال ثلاثة متعاقبة ومدى الامتهان والاستعباد والإذلال الذي كانت تتعرض له المرأة الصينية من أمراء الحرب ومن المجتمع حيث سادت عملية طي الأقدام المؤلمة بارغام الفتيات على ارتداء حذاء خشبي يمنع نمو القدم حفاظاً على سمات الجمال المحببة في أن تكون الفتاة ذات قدم صغيرة الحجم. هذا من غرائب الشعوب.
الشاهد أن المرأة الصينية اليوم في أفضل حالاتها مقارنة بمثيلتها العربية بمعنى أن تلك المجتمعات تعافت وتطهرت من أخطائها في حين أن مجتمعاتنا تخشى المواجهة.
** **
- عوض نايف