«الجانب الخفي للاقتصاد» من تأليف السيدة كلوتيلد شامبيراش (صدر عن دار نشر PUF الفرنسية) يستعرض أسباب ونتائج الانحرافات المالية وعلاقة ذلك بالفساد الاقتصادي وبعالَم الجريمة المنظمة (الاتجار بالمخدرات وبالبشر والدعارة والاحتيال الضريبي والتزوير) وبالنظرية الاقتصادية الحديثة غير المجهزة لدراسة الظواهر الإجرامية لا سيما ما يتعلق بالمافيا الإيطالية.
إذن ما هي الحدود التي تفصل بين الاقتصادات التي تعمل في إطار قانوني والاقتصادات ذات الطابع الإجرامي؟ ما هي البلدان التي تنتشر فيها هذه النوعية من الاقتصادات غير القانونية التي تتصف بالإجرامية؟ كيف تتغلغل هذه الاقتصادات في سياق الاقتصاد العالمي الذي يشهد تدفقا للسلع وللأفراد ولرؤوس الأموال؟ هل يمكن مكافحة الاتجار بالمخدرات من خلال دمج القيمة المضافة لهذا النوع من التجارة ضمن الناتج المحلي الإجمالي؟ هل ينبغي تقييم سياسات حظر هذه الاقتصادات وفقاً لتحليل التكلفة والفوائد فقط؟
يتناول هذا الكتاب نماذج لما يقوم به رجال الأعمال الأوليجار الروس والنتائج التي تنجم عن اقتصاد السوق السوداء وشركات المافيا والفساد الاقتصادي وجرائم ذوي الياقات البيضاء، كما أنه يكشف الجوانب الأكثر ظلمة للاقتصاد المعولَم وكذلك التداخل القوي بين الاقتصادات التي تعمل في إطار قانوني والاقتصادات غير القانونية.
يقدم كتاب «الجانب الخفي للاقتصاد» وصفًا دقيقا للآليات الاقتصادية باختلاف أشكالها كما أنه يضع علامات استفهام حول العلاقة التي تربط الاقتصاد السياسي بالاقتصاد الإجرامي، وكذلك حول الأسباب التي أدت إلى إضفاء الشرعية على بعض الممارسات غير القانونية التي تعمل في مجال الاتجار بالمخدرات أو الألعاب عبر الإنترنت: هل يمكن إذن أن تطلب هيئة يوروستات التابعة للمفوضة الأوربية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إدخال هذه الأنشطة غير القانونية في حساب الناتج المحلي الإجمالي؟
يُلقي كتاب «الجانب الخفي للاقتصاد» باللوم على الاقتصاديين الذين لا يهتمون كثيراً بالأنشطة الاقتصادية غير القانونية في حين يهتم بها أصحاب المذهب الليبرالي الحديث، كما أنه ينقد الليبرالية الحديثة التي تشجّع على تكوين الثروة بأي شكل من الأشكال دون مراعاة للقانون أو للأخلاق.
يستعرض الكتاب قضايا كثيرة تتعلق بأفعال الجماعات الإجرامية التي قد تلجأ إلى ممارسات ليس لها عائد مادي كبير (مثل الابتزاز) وذلك من أجل تدعيم سلطانها على المدى الطويل. كما أنه يتناول أسباب تغلغل منظمات المافيا في القطاع الاقتصادي من خلال التقنيات المستخدمة لغسيل الأموال وكيفية اختراق هذه المنظمات لقطاعات كثيرة مثل السياحة والتجارة، كما أنه يتطرق أيضاً إلى العديد من المناطق حول العالَم التي اخترقتها هذه المنظمات مثل السجون التي تُعتبر الملاذ الآمن للأنشطة غير القانونية.
تكمن أهمية كتاب «الجانب الخفي للاقتصاد» في قدرته على إظهار الحدود الدقيقة التي تفصل بين الاقتصادات التي تعمل في إطار قانوني (العالَم العلوي) والاقتصادات غير القانونية (العالَم السفلي)، علماً بأن هذه الحدود تبدو ضبابية ولهذا فهي تتيح للمنظمات الإجرامية التحكم في الاقتصادات التي تعمل في إطار قانوني.
يمكن أن تأخذ الاقتصادات غير القانونية للعالَم السفلي أشكالاً معينة: نذكر منها على سبيل المثال مجال الإنتاج الخرساني الذي يجعل من الممكن التحكم في أنشطة البناء في منطقة ما. كما يمكن للمافيا تنفيذ بعض العمليات غير القانونية عبر استغلال الدوائر الاقتصادية القانونية (نذكر على سبيل المثال الاحتيال الضريبي).
يتناول كتاب «الجانب الخفي للاقتصاد» بالتحليل النقدي مفهوم الجريمة الاقتصادية في عصر العولمة، حيث تنشط الجريمة الاقتصادية بسبب إزالة الحواجز الاقتصادية بين الدول وأيضاً نتيجة لشيوع النشاط الاقتصادي العابر للحدود الوطنية. يشدّد هذا الكتاب على أن التطور الحاصل في مجال التقنيات الحديثة وكذلك في مجال وسائل الاتصالات قد ساعد على بروز جرائم اقتصادية مستحدثة استفادت منها المنظمات الإجرامية الدولية ويضرب الكتاب أمثلة على ذلك: الاحتيال على المصارف وتزوير بطاقات الائتمان وسرقتها واستخدامها في مجلات غير مشروعة والابتزاز والسطو على البنوك إلكترونيًا والتزوير والتزييف والتهرب الضريبي والوصول إلى المعلومات الحساسة الأمنية أو العسكرية.
يؤكد كتاب «الجانب الخفي للاقتصاد» على أن العولمة ساعدت على انتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود من خلال المنظمات الإجرامية التي تعمل على السيطرة على الأسواق العالمية لا سيما في مجال الاتجار بالمخدرات التي تعد المصدر الأساسي للتمويل أنشطتها الاقتصادية الإجرامية.
إن استعراض الأسباب المؤدية إلى الجريمة الاقتصادية تجعل من كتاب «الجانب الخفي للاقتصاد» مرجعاً أساسياً للباحثين المهتمين بالتأثير السلبي للجريمة المنظمة العابرة للحدود على الاقتصاد العالمي.
** **
أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري
@2781Ayman