أ.د.عبد الله بن سليم الرشيد
المكان: مدينة الملك فهد الطبية بالرياض
الزمان: صيف 1433هـ (2012م)
(1)
أُطفئت الأنوار بعد انقضاء وقت الزيارة، في غرفة يشاركني فيها ثلاثة مرضى، وأُرخيت الستائر، وهممت بالنوم، وقد سكن حسّ شركائي.
شعرت بصرير الباب يُفتح ثم يُغلق، وسمعت صوت خُطًى وئيدة تقترب، ومن خلف الستارة همس القادم:
- عبدالله
أجبت بصوت خافت: نعم
- صاحي؟
- تفضل
أطلّ عليّ، وإذا هو ذو وجه ممسوح، بلا عينين ولا أنف!
استدنى الكرسي وقعد، عجبت من مشيه ورؤيته الكرسي وهو بلا عينين!
لم أتكلم، كنت أحدّق في وجهه الغريب، الذي ليس فيه سوى الفم، كان يتكلم بثقَل:
(الموت حق، الأورام خطيرة، كلّ الناس سيموتون ...)
هذا الغريب الممسوح هو الموت بلا شك، يتهيّأ لقبض روحي.
كنت أستمع مغالبًا ذعري ودهشتي
سكتَ قليلاً، ثم نهض، فشعرت ببرودة في أطرافي، سيَسْتلّ روحي الآن..
أحسست برأسي يغوص في المخدّة، ويديّ ترتخيان، ونفَسي يعلو..
غبتُ في دُوار عابر
سمعته يقول: مع السلامة!
خرج يجرّ خطاه الوئيدة، وسمعت صرير الباب يُفتح ثم يُغلق.
لم تحن ساعتي بعد!
(2)
مع أولى تباشير الفجر، وبعد نوم متقطع، وأحلام عاصفة، أيقظني صوت ينادي هامسًا:
- عبدالله
نظرت إليه، كان وجهًا بشريًّا كاملًا! وإذا هو ممرّض
شرع يقيس الضغط والحرارة، والنبض، ويسحب الدم.
حدّقت في ملامحه، وسألته:
عندكم أحد غريب الوجه؟
تبسم وقال: (ما نمت زين!)، شعرت أنه يقول: كلّ المرضى مثلك، يرون ما لا يُرى!
ولكني رأيت ذلك الغريب، قعد تجاهي وتكلم كثيرًا!
هو الموت.. سمعت كثيرًا عمن رأوا الموت..
خرج الممرض، واستجمعت قواي وصليت الفجر.
وبين نعسة وتثاؤب، وفي انتظار نومة أخرى لم تجئ، عاد شريط البارحة:
... أطلّ ذلك الغريب الممسوح الوجه وقال:
(معك فلان، طبيب في مرحلة الامتياز)!