د. محمد بن صقر
قبل الحديث عن القوة الناعمة والقوة الصلبة ومدى الحاجة لها في وقتنا الراهن لا بد من الحديث عن النخب المثقفة ونخب الرأي والتأثير في مجتمعنا فالنخب أياً كان مسارها وتخصصه فقد خرجت عن إطار الصورة التي رسمت لها في عقول الجماهير، والمتمثلة في أنهم الملهمون المرشدون، ومهندسو النهضة والنمو للشعوب، وناقلو الصورة الحقيقة والسمعة العالية للدولة لدى الغير لأنهم ببساطة يعرفون كيف يقدمون منجزات الدولة بطريقة ولغة عالمية سواء كان ذلك في المحافل الدولية أو المنتديات الاقتصادية أو التجمعات الثقافية وهذا يقودني إلى تساؤل حول هل هذه النخب هي فعلاً نخب أم هي تمارس وظيفة المثقف والمفكر والفيلسوف والمخطط، وبالتالي جاء تصنيفهم بأنهم نخب؟ أم هم فعلا يملكون المعرفة والحقيقة التي هي الحكمة وما يبحث عنها الجمهور، ويكون متعطشا لها؟ ولكنهم يفتقدون مهارات التواصل مع الآخر والمحيط الخارجي أم هم يعتقدون أن الوظيفة الأساسية في المخاطبة والحوار ونقل الصورة منصبة فقط على الجماهير الداخلية, وبعيدا عن الإجابات المباشرة لهذه التساؤلات إلى أني أجد أنها هذه التساؤلات مفتاح للحراك عقلي للاستفادة من هذه النخبة في بناء قوة ناعمة ناقلة ومسيطرة وقائدة للتحركات ثقافية وسياسية على المستوى الدولي فالنخب ودورها في القوى الناعمة هي بمثابة المحامي الذي يستخدم جميع الوسائل للفوز بالقضية أي كان نوعها, وعلى الرغم أن القوة الصلبة تلعب دورًا مهمًا في حسم كثير من القضايا وتكون إحدى أدوات المفاوضات والنقاشات العالمية مثل الحرب الأوكرانية - الروسية إلى أن هذا الأسلوب يعكس تصوراً قد يكون سيئاً على المدى البعيد لأنها قائمة على الانصياع للمطالب بعكس القوة الناعمة القائمة على الإقناع والحوار وهو محور مقالنا, وبحسب جوزيف صموئيل ناي، الكاتب الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية صاحب كتاب القوة الناعمة فإنه يرى أن القوة الناعمة سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال، وموارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إذا كانت تتمتع بالقدر الأدنى من الجاذبية وقيمه السياسية عندما يطبقها بإخلاص داخليا وخارجيا إضافة إلى السياسة الخارجية. وقد يكون هذا الأمر مدخل للدور النخب الثقافية لدينا في أنها تعرف أن جزءاً من مهامها الأساسية هي أن تكون لها قوة ناعمة قادرة على إقناع الآخرين بقضاياها الأساسية عن طريق ثقافتها.من هنا تستطيع النخب لدينا تسويق ثقافتنا السعودية المشرفة والاعتزاز بالمبادئ الأخلاقية التي نعتز بها ومتمسكون بقيمها فالجماهير دائما تتمسك وتقتنع بالأفكار الأساسية: وهي تلك التي تُقدم لها البيئة والوراثة والرأي العام استقرارًا كبيرًا، كالأفكار الدينية القيمية الموجودة لدى الشعوب على سبيل المثال لا الحصر، فعندما تتبناها شخصية معينة ويتحدث بمقتضاها، أو يصبغ نفسه بها، تصبح بمثابة العباءة التي لا يمكن أن تتغير بين يوم وليلة، فهي المهيمنة على الفرد داخل اللا وعي، وتشبه حديدا يصعب صهره بشكل سريع، فاستخدام هذا الأسلوب يجعل المثقف يحصل على جواز لعقلية الجماهير ويؤثر فيها، بل إن من أبجديات هذا الأسلوب هو صناعة النماذج التي تتبع، فمن يمتلك هذا الأسلوب يجعل من نفسه نموذجا، ويخلق له أتباعًا يتأثرون بما يطرح ويمارس وهذا ما فعله نيلسون مانديلا حين كان له أتباع في جميع أنحاء العالم وكان أيقونة المثقف السياسي مستخدم القوة الناعمة في إقناع كثير من شعوب الأرض أن النخب لدينا لا بد من أن تجعل لها منصات دولية ومحافل عالمية من أجل مخاطبة الجماهير وإبهار العالم بثقافتنا وبقضايانا فالجماهير هم أشبه بهيئة المحلفين الذين لا بد من إقناعهم عن طريق النخب الذين هم أحد وسائل القوة الناعمة.