علي الخزيم
زوجان أبكمان حدثت بينهما خلافات بَدَت بسيطة وتطورت لتصل إلى المحاكم، ولا غرابة بذلك فكثير من الأزواج تحدث بينهم اختلافات ومواقف مُتباينة لكنها تنتهي بالوئام، وان تكررت يكون التفاهم حاضرًا بسرعة تقديرًا وتحسبًا للعواقب، وبما لديهم من عقول راجحة وأنفس تبحث عن الصفاء وراحة البال، وذمم نقية تخشى الظلم والبغي، غير أن الزوجين الأبكمين نشبت بينهما خلافات صَعَّب من حلها تعنُّت أحدهما؛ وإصراره على تحقيق مراده دون مراعاة لجوانب العدل والعرف والعادات، حتى تم اللجوء إلى المحاكم، وهنا مربط الفرس الذي سأشير إليه؛ فقد عملت المحكمة على توفير مترجمين بلغة الإشارة للتيقّن من إفادات كل طرف ولضبط الأحكام بوجهها الشرعي السليم، وهذا مؤشر جيّد على تطور طرق وأساليب العمل بالمحاكم السعودية، يُضاف إلى جملة من الإجراءات التطويرية لخطوات ومراحل التقاضي للوصول إلى أعلى درجات الدقة والإنصاف بالحكم الشرعي، وقد يُمكن التذكير هنا أن الجهات القضائية المختصة قد استجابت لنداءات وتدوينات على صفحات عزيزتنا (الجزيرة) وغيرها تطلب توظيف نساء متخصصات بالشريعة والقانون لمساعدة القضاة بمخاطبة النسوة المتقاضيات وفهم ما لديهن مما قد يخجلن من الإفصاح به للرجال ونحو ذلك لئلا تضيع حقوقهن بسبب الحاجز النفسي والأخلاقي الأدبي، والتطور المتحقق بهذا المجال ولاسيما التحول الرقمي بالمحاكم فإنه بلا شك يُضاف إلى جملة التطورات المتحققة ببلادنا (مملكة العزم والحزم والإنسانية) بظل قيادة راشدة تؤدي الأمانة وتحقق تطلعات المواطن والمقيم.
بكثيرٍ من قضايا الأزواج تجد المال بين أهم بنود التقاضي؛ فهذا زوج يتسلط على راتب زوجته بحجج مُتعددة ومفتعلة كلما سدت الزوجة ثغرة فتح لها جبهة متجددة لاستلاب ما أمكن من نقودها دون رضاها، والمروءة تأبى ذلك، والمروءة عند العرب هي فوق واجبات الرجولة، قال عبد الملك بن مروان: (من كان الحرص شعاره كان البخل دثاره)؛ الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: الثوب الذي يكون فوق الشعار، ولفت انتباهي تدوينة لفتاة تتابعها مئات أخريات بأحد مواقع التواصل تنادي بمبدأ مُعوَج مضلل مفاده: دعوة المتزوجات للتمتع بأموال الزوج مقابل التغاضي عن نزواته! هذا برأيي انحراف خطير بالتأمل بتفاصيله ومن ثم نتائجه المدمرة للأسرة والمجتمع، فالمدونة بهذا قد خالفت ما ينادي به الشرع الحكيم ونادى به الرسل والأنبياء والمصلحون من وجوب إضاءة الطريق للآخرين؛ وتجنب كل ما يمكن أن يعتم سبلهم في تفرعات الحياة والفكر والعلم والإيمان {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (117) سورة هود، وكان أبو فراس الحمداني محقًا وكأنه يرُد على المُدوِّنة (الشاطحة) بقوله:
وَرُبَّ كَلامٍ مَرَّ فَوقَ مَسامِعي
كَما طَنَّ في لَوحِ الهَجيرِ ذُبابُ
وَمَا كُلُّ فَعّالٍ يُجَازَى بِفِعْلِهِ
ولا كلُّ قوَّالٍ لديَّ يجابُ
وبالقصيدة ذاتها قال:
إِذا الخِلُّ لَم يَهجُركَ إِلّا مَلالَةً
فَلَيسَ لَهُ إِلّا الفِراقَ عِتابُ
إِذا لَم أَجِد مِن خُلَّةٍ ما أُريدُهُ
فَعِندي لِأُخرى عَزمَةٌ ورِكابُ