فضل بن سعد البوعينين
تمضي المملكة قدمًا في تركيزها على ملف التغير المناخي، والتعامل معه باحترافية تسهم في الحد من تحدياته على قطاع الطاقة عمومًا، والاقتصاد الوطني, ومن الخطوات المهمة المعززة لجهودها، قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتعيين وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، مبعوثًا لشؤون المناخ، إلى جانب مهام عمله الأصلية.
تسييس ملف «التغير المناخي» وانحرافه عن مساره الصحيح، واستغلاله في التأثير على الدول المنتجة للنفط، وشيطنتها، يستدعي التعامل مع الملف من جانبين رئيسين، الأول مهني مرتبط بقطاع الطاقة، وأسواق النفط، ومواءمة مخرجاته مع المتطلبات البيئية. والثاني سياسي إستراتيجي تواجه فيه المملكة مخططات الغرب العدوانية.
تعيين وزير خارجية أميركا السابق جون كيري مبعوثًا خاصًّا للرئيس الأميركي لشؤون المناخ يعطي تصورًا لما يسعى الغرب لتحقيقه من خلال هذا الملف، وهو توجه يحتاج لمواجهة قوية على محوري الطاقة والسياسة في آن، وبما يسمح بتركيز الجهود، وتبادل الأدوار المعززة للنتائج الإيجابية.
فبالرغم من الجهود العملية التي تقوم بها المملكة لمعالجة تحديات التغير المناخي، ومنها إطلاق مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، الهادفة لخفض الانبعاثات الضارة وحماية كوكب الأرض والتي تبنتها قمة مجموعة العشرين العام 2020 م، وإعلان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استهداف المملكة الوصول إلى الحياد الصفري من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وهي خطوة تاريخية ستسهم في خفض ما يقرب من 278 مليون طن انبعاثات سنويًّا بحلول 2030، أي ما يوازي ضعف المستهدفات المعلنة، إضافة إلى التحول التدريجي نحو الطاقة النظيفة في إنتاج الكهرباء، وإطلاق مشروعات بيئية ضخمة، ومبادرات لا تقتصر على المملكة فحسب، بل وعلى المنطقة أيضًا،كمبادرتي «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر»، بالرغم من تلك الجهود المتميزة إلا أنها تواجه بحملات دعائية موجهة بهدف شيطنتها، والتقليل من جهودها في مكافحة التغير المناخي.
تنمية الاقتصاد الأخضر من الأهداف الرئيسة للمملكة، ولعلي أشير إلى ما تضمنته حزمة المبادرات الأولى من استثمارات مالية تزيد قيمتها على700 مليار ريال، ما يعني التوسع في الاستثمارات على جانبين رئيسين الأول في تعزيز مصادر الطاقة وبما يضمن استدامة الإمدادات واستقرار الأسواق، والثاني تنمية الاقتصاد الأخضر المعزز لحماية البيئة وصحة الإنسان، وللجهود الموجهة لتحقيق الحياد الكربوني على المدى البعيد.
الأكيد أن هناك توجهًا عالميًّا للحد من انبعاثات الكربون، والتي تسببت بها الثورة الصناعية، غير أن بعض السياسات الموجهة لحماية البيئة، لا تخلو من التحيز ضد النفط، وكأنها موجهة ضد الدول المنتجة، لا لحماية البيئة.
ملف التغير المناخي لا يخلو من النوايا السيئة والأهداف الانتهازية التي ستتحول إلى سيف مسلط على رقاب المنتجين.
كما أنه لا يخلو أيضًا من التخبط، والتناقض.
ففي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة لتحقيق متطلبات الحد من انبعاثات الكربون، وتعادي الدول المنتجة، فإنها لا تتورع عن مطالبتها بزيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار، والتخفيف على المستهلكين الأميركيين.
ملف التغير المناخي من أهم الملفات المؤثرة في صناعة النفط، واقتصادات الدول المنتجة، وفي مقدمها المملكة، ما يستوجب التعامل معه بشمولية وكفاءة عالية.
التحيز ضد النفط، والدول المنتجة بات يؤثر سلبًا على نزاهة ملف التغير المناخي، ومتطلبات حماية البيئة، وهو ما يثير قلق الدول المنتجة، ويحد من ضخ الاستثمارات في قطاع الإنتاج ما قد يتسبب في أزمة إمدادات مستقبلًا.
مكافحة التغير المناخي جزء رئيس من رؤية سمو ولي العهد التطويرية، والهادفة لخلق مستقبل أكثر خضرة، ونظافة وإستدامة، وبما يضمن حماية البيئة وصحة الإنسان، ويعزز القدرة التنافسية للمملكة، ويحد من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد، والصناعة النفطية، وأحسب أن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتعيين وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، مبعوثًا لشؤون المناخ، سيعزز جهود المملكة في مكافحة التغير المناخي وسيواجه في الوقت عينه التحديات السياسية الطارئة.