د. إبراهيم بن جلال فضلون
بعد عامين من الغياب يتأهب «التاريخ لمفترق طُرق»، على أعتاب «دافوس» الذي أسّسه كلاوس شواب في عام 1971. وروّج على مدى عقود لمبادئ التجارة الحرة والرأسمالية، مؤكداً لشعاره «التاريخ عند نقطة تحول»، بل وكأنهُ منتدى نخبوي في مهب الريح، مما يجعل اجتماع هذه السنة وقتياً للغاية، لكن هذه المرة يُخيم عليه أجواء قاتمة في ظل غياب العولمة، بغياب مشاركيها المعتادين ممن تُطرح لهم السجادات البيضاء، وذلك على إثر الغزوة الروسية لأوكرانيا، وبوادر ركود اقتصادي عالمي على وقع جائحة (كورونا)، بمشاركة 2500 شخصية بارزة من عوالم الاقتصاد والسياسة.
لنراه في مشهد مُختلف بأعلى جبال الألب، العالم يمرّ بأزمات غير مسبوقة، تتطلب جميعها حلولاً مختلفة مع تراجع حادّ للعولمة، وغياب قادة القوى الاقتصادية الكبرى عنه كروسيا التي كان رئيسها متحدّثاً رئيسياً في دوراتها، ليكون الحضور مقتصراً على زعماء الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا، فهل فَقدَ المنتدى وهجهُ المعتاد؟.
لم تنجح العولمة وسط تساؤلات حول «ازدهار الأثرياء»حل هذه المشاكل من منتجع بلدة انطلق منها هزات زلزالية جمدت توحيد الجهود الدولية لأكبر أزماتها سواءً الصحية أو الاقتصادية إن لم يكن للمجاعة صدارة يواجهونها منذ قرن مضى، رغم التحالفات الاقتصادية التي فشلت النخب التي تهنئ نفسها في تلافي ركود عالمي ومجاعة تهدد الملايين ومنع روسيا من جر العالم في مغامرة عسكرية بقلب الرجل المريض «أوروبا»، وأثرها العالمية، فكيف يعتبرها «شواب» «الأهم على الإطلاق هذا العام» مدافعاً عن المنتدى وضرورة الحاجة لمنصة عالمية (موثوقة) لمواجهة مثل تلك الأزمات المُهلكة وتغيُرها بل وتأقلُمها مع المُتغيرات الجيوسياسية، التي فرضها الواقع الوبائي وغزو أوكرانيا التي غربلت معادلات الحرب والسلم للمرة الأولى منذ عقود، وتأزم الأوضاع المالية وارتفاع الدولار وتباطؤ اقتصاد الصين؛ مُشككة في نظريات اعتبرها الغرب من المُسلّمات عقب الحرب العالمية الثانية، وأثرت سلباً على الاقتصاد العالمي، لكن صندوق النقد لا يتوقع ركودًا عالميًا، فهل لديه حلول؟! أشك في ذلك وإلا لنجح في حل مشكلات واقعية... وقد تكون حلولاً فقط للأثرياء على حساب الأغنياء كما يفعلون الآن ويكنزون الصادرات الأوكرانية مقابل السلاح خوفاً من القادم الأسوأ.. بينما مراكز الثورة الصناعية الرابعة «ثلاثة مراكز في الشرق الأوسط. أحدها في الرياض والآخر في دبي والثالث في تل أبيب»، والتي هي من أبرز مبادرات دافوس هذا العام، قد تساعد الحكومات والقطاع الخاص على إدارة وتنظيم التكنولوجيا الجديدة، وإنتاج مجموعات عمل إقليمية هدفها خلق مساحة للتبادل والنقاش، وتبادل المعرفة ووجهات النظر.
لقد قال (جيريدهارداس) صاحب كتاب «Winners Take All: The Elite Charade of Changing the World»: «إن العامين الماضيين بينا بشكل درامي ما كان صحيحًا لفترة من الوقت، وهو أن طبقة النخبة الثرية لا تترك بقية العالم وراءها فحسب، بل تزدهر بدقة من خلال الدوس على أعناق الجميع.»
فلماذا لا يتعلم الكبار من زخم الإصلاحات في منطقة الخليج؟ التي تقود دفة الاقتصاد وتوجيهه، فالسعودية كانت قائدتهم في مجموعة 20 في وقت وأحلك الأزمات.. والآن ها هي تشارك مع مجتمع الأعمال الخطط والإجراءات التي خططت لها قبيل الجائحة، وهو ما لمسه «كيروز» من التزام دول الخليج بالإصلاحات القوية التي اتخذتها قائلاً: «لا تزال جداول الخصخصة مستمرة وفقاً للخطط المعلنة من قبل هذه الدول، كما نرى استمراراً لمبادرات التصنيع والتكنولوجيا وإطلاق شبكات الجيل الخامس (G5) «.. ليُؤكد القول وزير الاقتصاد السعودي: بأن المملكة نموذج عالمي يُقتدى به لقيادة مسؤولة وتحول اقتصادي مستدام ركيزته الإنسان، علماً بأن 40% من رواد الأعمال في المملكة من النساء.. لترسم السعودية صورة مشرقة، محورها قصة تعافٍ قوي وإصلاحات مُثمرة، في ظل قيادة حكيمة ورؤية قويمة.