أحمد المغلوث
خلال وجودي في معرضي الشخصي في المركز السعودي للفنون بجدة عام 1416هـ التقت بي المحررة في هذه الصحيفة الأستاذة القديرة والمحاورة الملهمة «مريم شرف الدين» الله يذكرها بالخير ونشر الحوار في الصفحة الفنية في العدد 8456 بتاريخ 1 رجب في نفس العام وكان سؤالها الأول عن هموم الفنان التشكيلي. تذكرت هذا الحوار عندما سألني أحد الأحبة خلال وجودي في النادي الأدبي بالأحساء الأسبوع الماضي حاضرا لقاء المهندس «جعفر الشايب» صاحب المنتدى الثقافي الشهير بالقطيف وكان محاوره الابن «فيصل المغلوث» مدير عام صنع بالسعودية ورغم مشاغلي والتزاماتي بتنفيذ بعض اللوحات التشكيلية أسقط في يدي فمن غير المعقول ألا أحضر مثل هذا اللقاء وبصراحة أحببت أن أشاهد ابني فيصل وهو يجري حوارا مع قامة ثقافية كالشايب.. فقلت لصاحبي تعرف أني تفرغت منذ سنوات لممارسة هواياتي وصارت علاقتي بالثلاثي البياض علاقة حميمة لا يمكن أن ابتعد عنها إلا للضرورة. فعقب متسائلا ما هذا «الثلاثي» الأبيض. فأجبته وهل يخفى القمر. بياض الورق. وبياض شاشة الكتابة في الكمبيوتر وبياض قماش الرسم «الكنفاس» هذا هو الثلاثي الأبيض الذي سحبني إليه منذ كنت فتى صغيرا من خلال صفحات المجلات أو الصحف أو الكتب. كانا اثنان في الماضي ولكنهما باتا ثلاثة بعد أن تعلمنا الكتابة على أجهزة التقنية المختلفة وما تفرع منها كل هذا يا أستاذ يجعلني ويجعل كل من له علاقة بالعملية الإبداعية رهين المكان الذي يبدع فيه. واليوم وأنا أكتب مادة هذه الزاوية فكرت أن أكتب عن الفنان التشكيلي أو حتى الأديب أو من يمارس إبداعا يستوجب وجوده في مرسمه أو مكتبه. ومع لأن المجتمع في بلادنا وغير بلادنا أخذ فكرة عن هؤلاء ودورهم من خلال أفكار ومفاهيم خاطئة غير معقولة لا تتصل بحقيقة الإبداع وليس لها علاقة بعمقه ولبه.. لذلك باتت العلاقة بين المجتمع والمبدع علاقة ضعيفة نوعا ما. خاصة في مجتمعاتنا العربية فتقديره وتشجيعه محدود إلا لمن يملك وعيا وفهما وبالتالي استطاع فهم هذا المبدع سواء أكان فنانا أو كاتبا أو أديبا. فكيف الحال عندما تجتمع هذه الصفات في إنسان واحد. من هنا نجده يضاعف من أخذ وقته المخصص لأسرته وحتى محبيه من أفراد المجتمع. ليوظفه في عمله الإبداعي. وكان الله في عون زوجات المبدعين فهن وحدهن اللواتي يتحملن ابتعاد أزواجهن عنهن أو لنقل عزلتهن. فالإبداع يفضل العزلة فكم من فنان مبدع استطاع أن منلال عزلته أن يقدم أعمالا أوصلته للعالمية أكانت لوحات أم روايات أو حتى أعمالا فنية كالموسيقى وهناك من حصل على جائزة نوبل نتيجة لهذه العزلة التي جعلته يتفرغ تماما لموهبته وإبداعه. لا شك أن لكل منا فلسفته في الحياة وكيف يستفيد من وقته. ما زلت أذكر مقولة قالها لي الفنان الكبير جمال قطب عندما زار مكتب الأستاذ الكبير تركي السديري رحمهما الله وشاهد بعض من لوحاتي في مكتبه عندها لم يتردد أن أبدى إعجابه بها بل طلب من (أبي عبدالله) أن يتصل بي فكانت كلماته: استمر في أسلوبك وأعطي موهبتك المزيد من الوقت.. فوعدته. قال الشاعر الإسباني لوب فيجا/ إلى وحدتي أنا ذاهب. ومن وحدتي أنا قادم. ذلك يكفيني في قدوي ورواحي أن أصحب أفكاري وحدها..؟!