أ.د.عثمان بن صالح العامر
ما زال صوت دوي «قنبلة» الأستاذ الدكتور طارق الحبيب التي نسف بها (جيل الطيبين) مجلجاً في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي!!. هذا الطرح الغريب الذي ينم عن نكران للجميل من قبل سعادته، وما تبعه من مبررات فاشلة للتصويب عبر قنوات إعلامية مختلفة، وردود المجتمع الافتراضي على هذا القول، وكلام الناس في المجلس، الموضوع برمته (الفعل وردود الفعل) الذي هو حديث الساعة اليوم، جعلني أدون هذه الملاحظات العابرة، وأضعها بين يدي القارئ الكريم:
- أطلق سعادة البرفيسور حكماً عاماً له صبغة شمولية على أساس التخمين، والانحياز، مع أن الواجب عليه وهو المتخصص أن يكون حيادياً حين يحكم على أمر مجتمعي عام، وهذا يعني غياب المنهجية العلمية المعروفة في الدراسات الإنسانية عموما، وصولاً لهذه النتيجة المطلقة.
- غاب عنه اختلاف مجتمعاتنا المحلية في المملكة العربية السعودية عن بعضها البعض، ولذا من الخطأ وضع الجميع، ليس البيوت ولا المدن ولا حتى المناطق فحسب بل الأقاليم والجهات في دائرة واحدة، ولو أعاد هو ومن على شاكلته عجلة التاريخ لأدرك كم كان في جيل الطيبين من سلك طريق العلم البحت، ودرس في أرقى الجامعات العالمية، ومن اختلفت تريبته لأولاده عن التربية التي ساقها مثالاً على واقع الأسرة السعودية!.
- فصل (الحبيب) المنهج التربوي والنفسي الذي كان مطبقا آنذاك في البيئة النجدية التي عاش ونشأ هو فيها عن سياقه التاريخي، ووضعه الاقتصادي الذي فرضته طبيعة المرحلة، فالجيل محل الحديث كان مثالياً في توظيف إمكانيته لتلبية احتياجاته الضرورية في ظل ظروفه التي لا تخفى، خلاف الجيل الحالي - الذي يصفه البعض - بأنه غالباً ما يهدر مقدراته بلا مبرر ودون فائدة تذكر، ولم يستغل إمكاناته في رقي وطنه وتقدم مجتمعه، ولذلك كان من بين من رد عليه من أطلق قنبلة مماثلة على جيل اليوم، والعيادات النفسية تبرهن وتدلل، وعالمنا الواقعي والعالم الافتراضي يشهد ويدون، وكلا الأمرين - في نظري - غير صحيح، ولا هو حكم دقيق علمياً.
- جعل معيار النجاح في دائرة ضيقة، مع أن النجاح عنوان عريض لمسارات الحياة المختلفة، فالنجاح الذي يتحقق في المجال الوظيفي أو القطاع الخاص أو ما إلى ذلك ليس هو المعيار الوحيد للنجاح الحقيقي في الحياة.
- وفي المقطع الذي انتشر بعد ذلك والذي عقد فيه (الحبيب) مقارنة بين (الجمل والسيارة) خلط واضح بين «الحضارة» بوسائلها وأدواتها ومساراتها المختلفة والمتنوعة، التي هي ملك لجميع الأمم والشعوب، وطبيعتها تراكمية متطورة عبر التاريخ، وتنتقل من مكان لآخر، ويمكن جلبها والاستفادة منها، وبين «الثقافة» التي هي عنصر التميز ومحور الاختلاف بين الشعوب والأمم. وقاعدته التي أملاها على من يحاوره - وأراد ايصالها لمتابعيه ومخالفيه على حد سواء - ليست حكراً على جيل الطيبين، الذي دعا ربه بألا يعيده (الله لا يعيده) بل هي قاعدة تنطبق على جميع الأجيال التي لم تعرف العلم ببعده المادي المعروف، فالجمل مثلاً هو وسيلة التنقل في تاريخنا العربي أجمع، وأشرف البشر صلى الله عليه وسلم ركب حماراً ومعه رديف، فهل هذا معيار المفاضلة بين الأجيال؟.
- عموما لا اعتقد أن سعادة الدكتور بحاجة إلى الإثارة من أجل أن يسمع صوته فهو علم معروف.
- وحق الميت كما يعرف سعادته جيداً أن تُذكر محاسنه، ويترحم عليه، ويدعى له، فرداً كان أو جيلاً.
- كما أن ممّا نُهينا عنه سب الدهر، والجيل فترة زمنية لها بداية ونهاية، وأخشى أن يكون ما تفوه به سعادته من هذا الباب.
- كما أخشى أقول أخشى أن يكون التأمين من قبلنا على ما دعا به الحبيب، ونسفنا جيل الطيبين من جذوره بقنبلته التي أطلقها، جحود وعقوق لجيل الآباء والأجداد، وإنكار لفضلهم بعد فضل الله علينا، ونحن ما زلنا ننعم ونرفل في هذا الوطن المعطاء (المملكة العربية السعودية) بنعم عظيمة تحققت جراء ما بذلوه وقدموه من أجلنا، ومن منا ينكر وينسى أو حتى يتناسى ما تحقق على يد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، من توحيد لهذا الكيان القوي الكبير وطن المجد والفخر والعز والرخاء، فرحم الله (جيل الطيبين) ونفع بجيلنا والأجيال القادمة التي ترمق المستقبل برؤية التجديد والطموح، رؤية المستقبل الواعد والغد الأجمل، 2030، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.