د.شريف بن محمد الأتربي
أوشك العام الدراسي الحالي 2021-2022 على الانتهاء، وقد سارت العملية التعليمية خلاله على أتم ما يمكن- بفضل الله تعالى- ثم بجهود معالي وزير التعليم وجميع منسوبي الوزارة، وفي وقت سابق أعلنت الوزارة تقويم العام الدراسي القادم 2022-2023 مع استمرارية العملية التعليمية بشكلها الحالي والمكون من ثلاثة فصول دراسية، ولها حديث قادم بإذن الله.
وضعت الوزارة تخطيطها للتعليم خلال هذا العام بحيث يكون التعليم حضوريا بلا استثناء، مع وضع خطط بديلة للتعليم في حال حدوث أي طارئ مثلما كان الوضع أثناء الجائحة، والذي تحولت العملية التعليمية برمتها إلى التعليم عن بعد. ومع انحسار الجائحة- ولله الحمد-، وعودة الحياة الاجتماعية إلى طبيعتها، وعودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة؛ نجد أننا بحاجة إلى إعادة التخطيط للتعليم، ووضع الأطر الفاصلة بين ما كان يقدم خلال الجائحة، وما سيقدم بعدها، مع الوضع في الاعتبار أن التعليم المعتمد على التقنيات أصبح ضرورة لا مفر منها وليس ترفا للمعلم والمتعلم.
بداية يجب الإشارة إلى أن البرنامج التعليمي للمراحل الدراسية الثلاث قد تغير، إما تغيرا كليا- كما في المرحلتين المتوسطة والثانوية-، أو إجراء تعديلات وتغييرات على ما يقدم للطلبة خلال بداية العملية التعليمة كما في المرحلة الابتدائية.
وجميع هذه الخطط انبثقت من رؤية المملكة 2030، وبُنيت على أساس برنامج تنمية القدرات البشرية، حيث يعمل مشروع تطوير المرحلة الثانوية على تعزيز القيم الدينية والهوية الوطنية، ومواكبة الرؤية العالمية الجديدة لدور المرحلتين المتوسطة والثانوية في السلّم التعليمي، واستهداف إلغاء الحاجة إلى السنة التحضيرية في الجامعات، وتوسيع وتنويع فرص التعلّم لجميع فئات الطلاب والطالبات، كما يهدف إلى تحسين كفاءة منظومة التعليم الثانوي والمتوسط، والحصول على شهادات إتقان للغة الإنجليزية، وتوفير مسار للتخصصات الشرعية لأبرز المتميزين، إضافة إلى الفرز المبكر للطلاب والطالبات بحسب توجهاتهم وقدراتهم، وتخريج متعلّم مؤهل للعمل قادر على مواصلة تعليمه بنجاح.
وحتى تحقق الخطة أهدافها، تم تقسيم الدراسة في المرحلة الثانوية إلى عدة مسارات، تبدأ بالسنة المشتركة والتي يتم فيها الإعداد العام وعمليات الفرز والقياس والتوجيه لأداءات الطلاب، بينما يختار الطلاب والطالبات في السنتين الثانية والثالثة بين مجالين للدراسة؛ الأول مجال العلوم الطبيعية والتطبيقية (مسار علمي عام - مسار علوم الحاسب والهندسة- مسار علوم الصحة والحياة)، والثاني مجال العلوم الشرعية والإنسانية (مسار إدارة الأعمال - المسار الشرعي - المسار الإنساني العام). وأخيرا أعلنت الوزارة عن تطبيق «مقياس الميول المهنية»، وهو مقياس يساعد الطلاب الذين يواجهون كثيرا من الحيرة في اختيار المسار التعليمي المناسب لهم، والذي يبنى عليه مسارهم الوظيفي (المهني) في المستقبل.
وتتكون الخطة الدراسية الأولية من (32) مادة موزعة على جميع المسارات. وتمتاز بعض المسارات بتمكين الطلاب من الالتحاق بسوق العمل، من خلال برامج تجسير مهنية في بعض التخصصات والمهن الإدارية.
وعلى مستوى المرحلة المتوسطة، فقد تم إقرار نظام الأكاديميات المتخصصة والتي تشكّل نموذجاً من المدارس الحديثة في التعليم العام، وتحتوي على إمكانات مادية وبشرية عالية، حيث يتم تخصيصها للطلاب والطالبات الذين لديهم قدرات معرفية أو مهارية عالية، متضمنةً أكاديميات علمية (STEAM). حيث يعد اتجاه تعليم العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (STEM)، أو (ستيم STEAM) بعد إضافة الفنون أو حرف (A) والذي يرمز إلى العلوم الإنسانية Arts and Humanities.
ويعد (STEAM) نهجا تكامليا متعدد التخصصات، يرى الخبراء أنه يساعد على تحسين نتائج مخرجات التخصصات الخمسة: العلوم، والتقنية، والهندسة، والرياضيات، والفنون. ويحظى STEAM/STEM باهتمام المنظمات الدولية التي تسعى إلى تطوير مواردها البشرية في المجالات التخصصية التي تدعم الابتكار والتنافسية؛ ولذلك تنادي رابطة الحكام الأمريكية National Governors Association NGA)) بضرورة زيادة كفاءة المعلمين في مجال STEAM/STEM، وزيادة أعداد الطلاب الذين يتابعون الدراسات المتقدمة ذات الصلة بهذا الاتجاه.
وتشمل الأكاديميات المقترحة تخصصات علوم الحاسب، والهندسة، والعلوم الصحية إلى جانب أكاديميات إنسانية تشمل الفنون الإبداعية والتخصصات الرياضية بشراكات خارجية تعمل على استقطاب الطلاب ذوي المواهب في هذه الجوانب، وتدريس الطلاب مناهج مهندرة. (منهجية إدارية تقوم على إعادة البناء التنظيمي من جذوره، وتعتمد على إعادة هيكلة وتصميم العمليات الإدارية، بهدف تحقيق تطوير جوهري وطموح في أداء المنظمات، يكفل تحقيق: سرعة الأداء، تخفيض التكلفة، تحسين جودة الخدمة والمنتجات).
ومع هذه الخطط المستقبلية للتعليم في المملكة العربية السعودية، نتوقع- بإذن الله- إحداث تغيير ملموس في مخرجات التعليم؛ سواء على مستوى التعليم العام (ما قبل الجامعي)، أو مستوى التعليم الجامعي، ويتبقى لدي في هذا المقال الربط بين هذه الخطط وبين الجائحة؛ حيث يحتاج المسؤولون عن التخطيط للتعليم في المملكة إلى وضع أكثر من سيناريو لمستقبل التعليم شاملا استخدام وتطبيق التعليم الإلكتروني بكل ما يشمله المصطلح من تعاريف مثل التعليم عن بعد والتعليم المدمج والتعليم الهجين والتعليم المتزامن وغير المتزامن؛ المهم هنا أن تكون الخطة واضحة ولها معايير لقياس مخرجاتها، ومؤشرات لأدائها، ولدى القائمين على تنفيذها مرونة في استخدام أدواتها المتعددة لتحقيق أهدافها الحالية والمستقبلية.