حمّاد بن حامد السالمي
* من رحمة الله بعباده؛ أن جعل لهم في كل محنة تمر بهم منحة إلهية تحمل الكثير من العبر والدروس لمن يعي ويسمع ويتعظ، ففي الجوائح والآفات؛ وفي الحروب والمجاعات، منح جليلة، لا تخلو من فوائد عظيمة.
* جاءت الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل أشهر، فما بقي دولة ولا إنسان في هذا الكون؛ إلا وتأثر بتوابعها الإنسانية والاقتصادية، حتى لاحت في الآفاق؛ مخاوف من المجاعة التي بدأت تضرب دولًا في آسيا وإفريقيا، وحتى في أوروبا وأميركا. محنة كبيرة ولا شك؛ تحمل في طياتها أكثر من منحة.
* من هذه المنح العظيمة والكثيرة التي حملتها محنة الحرب الروسية الأوكرانية؛ وموقف دول أوروبا وأميركا منها؛ ما بدأت روسيا في كشفه مؤخرًا- إن صدقت- ففي إحدى جلسات مجلس الأمن الصاخبة بناءً على طلب منها؛ كشف الروس ما كان مستورًا على ما يبدو بشأن تطوير أميركا لأسلحة بيولوجية خطيرة على حدود روسيا داخل أوكرانيا، فالمندوب الروسي- كما ظهر ونُشر بعد الجلسة- سلم وثائق وأدلة؛ عن تمويل البنتاجون الرسمي -كما يقول الروس- لبرنامج أسلحة بيولوجية في أوكرانيا، وضمّن ذلك أسماء أشخاص وشركات أميركية متخصصة، وأماكن مختبرات في أوكرانيا.
* المواقف الأميركية الأوروبية الحادة من روسيا جراء الحرب؛ دفعت وتدفع الروس للانتقام بشكل فاضح، فهم -أي الروس- يقولون: بأن المختبرات الأميركية لتصنيع الأسلحة البيولوجية؛ لا تتوقف عند أوكرانيا، ولكنها تنتشر في 36 دولة حول العالم، والمندوب الروسي في هذه الجلسة الفاضحة؛ حدد الأمراض والأوبئة التي تخرج من هذه المختبرات، وكشف وسائل إطلاقها، والدول التي يتم تجربتها فيها، ومتى وأين تمت التجارب، وبعلم حكومات هذه الدول أو بدون علمها.
* وحسب تأكيدات المندوب الروسي علانية؛ فإنه يأتي على رأس الأوبئة التي تم نشرها على مستوى العالم نتيجة هذه التجارب؛ الفيروس المسؤول عن الجائحة الحالية (كورونا)، عن طريق كم هائل من الخفافيش المستخدمة في نقل هذا الفيروس الخطير..!
* هل استسلم الغرب لهذه المكاشفات الفضائحية..؟ طبعًا لا. فأميركا راحت تنفي هذه التهم، وفرنسا وبريطانيا تتحالف معها، لكن الصدى داخل شعوب هذه الدول عنيف للغاية، ما يوحي بأن الشعوب في أوروبا وأميركا؛ تميل لتصديق هذه الرواية الروسية، تحت الضغط النفسي الذى خلفته الجائحة على الجميع، ثم يأتي الدور على منظمة الصحة العالمية، التي راحت تنفي معرفتها بوجود تجارب بيولوجية في أوكرانيا، وتقول: بأن كل ما تعرفه أنها مختبرات طبية بحثية لمقاومة الأمراض..! أما روسيا؛ فإنها تثبت بالأدلة؛ مكاتبات وزيارات منتظمة لخبراء من منظمة الصحة للمختبرات الأميركية المشبوهة حول العالم. وعندما يصل الدور للصين المتهمة ابتداءً بنشر فيروس كورونا؛ فهي تهاجم الجميع وتقول: طالما أنتم تنفون وواثقون من براءتكم؛ إذن.. لماذا ترفضون باستماتة إجراء تحقيق من متخصصين..؟ من نصدق يا ترى..؟
* الأمر لم يتوقف عند حد الوثائق الروسية التي يصفها الروس بأنها أدلة دامغة ضد الولايات المتحدة بالذات. هناك من أخذ يتوسع ويسرد معلومات مهمة عن ماهية الطيور المرقّمة. وكيف تقتل أميركا العالم بدون طلقة واحدة..! ماذا بشأن طيور الدمار الشامل..؟ لم تتوقع روسيا أن تكتشف ضمن حملتها العسكرية في أوكرانيا؛ طيورًا مرقّمة أنتجتها المختبرات البيولوجية والجرثومية في أوكرانيا، التي تمولها وتشرف عليها الولايات المتحدة الأميركية كما تقول موسكو. فما هذه الطيور المُرَقّمة يا ترى..؟!
* يقول خبراء عالميون متخصصون في هذا الشأن؛ أنه بعد دراسة هجرة الطيور ومراقبتها طوال المواسم، يُصبح بمقدور الأخصائيين البيئيين وعلم الحيوان؛ معرفة السير الذي تسلكه هذه الطيور كل سنة في رحلتها الموسمية، ومنها ما يُسافر من بلد إلى بلد، أو حتى من قارة إلى قارة. هنا يأتي دور المخابرات، أو الجهات التي تحمل خطة شريرة، فيتم القبض على مجموعة من هذه الطيور المهاجرة، ويُعمَل على ترقيمها وتزويدها بكبسولة جراثيم تحمل شريحة، ليتم التحكم بها عبر كمبيوترات، ثم يُعاد إطلاق سراحها، لتنضم الى الطيور المهاجرة الى البلاد التي يُخطّط الضرر بها.
* هجرات الطيور الموسمية؛ يعرفها القاصي والداني، ولكن استغلالها في نشر الأوبئة والأمراض، وإلحاق الضرر بالدول والشعوب فيما يشبه الحرب البيولوجية؛ هو الذي لا يعرفه إلا فرسان هذا الميدان. إن هذه الطيور المعنية بموضوعنا؛ تسلك مسارًا من بحر البلطيق وقزوين إلى القارة الإفريقية وجنوب شرقي آسيا، ولها رحلتان أخريتان من كندا إلى أميركا اللاتينية في الربيع والخريف، وخلال طيرانها الطويل؛ يتم التقاط مسارها خطوة بخطوة عبر الأقمار الاصطناعية، ويتم تحديد مكانها بالضبط، فإن أرادوا مثلا الضرر بأي دولة، يتم تدمير الشريحة عندما يصبح الطائر في سماء هذا البلد أو ذاك، فيقتل الطائر، ويسقط حاملا الوباء، فتنتشر الأمراض في تلك البلاد أو تلك، وهكذا يكون قد تمَّ هزيمة بلد الخصم من دون أي تكلفة عسكرية أو اقتصادية وسياسية.
إن ترقيم الطيور المهاجرة؛ عملية مجرّمة في القانون الدولي، لأنها طيور تخترق سماء وأجواء البلاد الأخرى، وإن تمّ تزويدها بجراثيم؛ فيُصبح هذا الطير بمثابة سلاح دمار شامل، لذلك يُعتبَر استعمال الطيور لشن هجمات مميتة على الخصم في القانون الدولي؛ أمرا مُحرَّما ومجرّما ويُعاقَب عليه مَن يقترف مثل هذا العمل غير الأخلاقي وغير الإنساني، وهذا ما جعل أميركا ترتعد، ليس من أي عقوبة؛ بل مِن وصمة العار التي ستُلازمها العمر كله، ومِن استبعادها نهائيًا كدولة ذات مصداقية حتى من حلفائها.
* يبدو أنه أصبح لدى الروس أكثر من ورقة ضغط قوية، فحين قالوا إنهم قبضوا على الطيور؛ فهذا يعني اتهام الأميركان بأنهم متلبسون بالجرم، وبكل ما تحتويه من تفاصيل. وهذا يُحتّم على العالم التفكير جديًا باحتمالية أنَّ كل الفايروسات التي أصيب بها الإنسان في هذا القرن- خاصةً الأخيرة مثل: الإيبولا التي أصابت إفريقيا، وأتراكس، وإنفلونزا الخنازير والطيور؛ ثم (كورونا كوفيد19)، كلها أتت من مختبرات، وهذا ما جعل الصين تتقدّم بطلب عاجل وجاد وصارم؛ بتحقيق دولي بظهور الكورونا بشكل مفاجئ، فالاحتمال كبير بأن تكون للطيور المهاجرة استعمالات للفتك بالصين.
* ها هي المِنح الربانية تترى؛ في أثواب أكثر من محنة بشرية، اللهم لك الحمد. ألا ما أصدق الإمام الشافعي في قوله:
وَلَرُبَّ نازِلَة يَضيقُ لَها الفَتى
ذَرعًا وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها
فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ