سلمان بن محمد العُمري
من سمات مجتمعنا - ولله الحمد - محبة الخير وعمل المعروف قربة إلى الله عز وجل، وسماحة النفس، وموروث أصيل يتجلى في الكرم ومحاسن الأخلاق، وتجد ذلك - ولله الحمد - عند الصغير والكبير، والغني والفقير؛ فالكل يبذل قدر مستطاعه بما يراه سبيلاً لرضا الله - عز وجل - قبل رضا المخلوقين.
ومن الأعمال والسنن الحميدة غير المستغربة في مجتمعنا ما يقوم به البعض من سقيا الماء وخاصة في فصل الصيف سواء بوضع برادات للمياه بجوار المنازل أو في مرافق المساجد أو بوضع ثلاجات داخلها وتزويدها بالماء بصفة مستمرة، وهذا أمر مألوف، ولله الحمد، وقد لفت انتباهي أعمال تستحق الذكر والشكر وإن كانت ميسرة ومنها أن أحدهم لا يخرج من منزله لأي "مشوار" إلا ويحمل معه مجموعة من الماء فيوزعها على من يلتقيه في الطريق، وآخر يقول ما جاء لبيتي عامل للصيانة أو مر أحد سائقي التوصيل إلا وقد أعطيته ماء سواء في وقت الظهيرة أو غيرها، وأنوي بهذا العمل الصدقة في سقيا الماء وخاصة ونحن في فصل الصيف.
ولا يخفى عليكم فضل الصدقة عامة وسقيا الماء خاصة، وقد سأل رجل عبد الله بن المبارك عن قرحة خرجت من ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال اذهب فاحفر بئرًا في مكان حاجة الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ (أسير إعلام النبلاء 8 / 407).
وصدقه الماء في شدة الحر من أعظم القربات، وسقي العطشان أبلغ من باذل المال، سواء أكان العطشان إنسانا أم حيواناً أم طائرًا، وهو عمل قليل ولكن نفعه كبير وأثره عظيم وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : إفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة?؛ فكيف بمن حفر بئرًا في بلد ليس فيها بئر سواها فيشرب أهلها منها، ويطبخون طعامهم بمائها، ويسقون أنعامهم من حياضها.
وكيف بمن وقف برادة في مسجد أو سوق أو طريق فكل من شرب منها، ويجري أجرها ما جرى ماؤها، واستقى الناس منها، ويشترك السكان في عمارة واحدة، فإذا انبرى أحدهم فاشترى شحنة ماء فأفرغها في خزانهم، فدخلت صدقته في طعامهم وشرابهم وحليب أطفالهم، ويغتسل منها الجنب والحائض ويتوضؤون منها لصلاتهم، فكم له من الأجر على ذلك كله بمال الزهيد يبذله.
ووضع المياه الطيور والحيوانات الضالة فيه أجر، لأن في كل رطبة أجرًا، وسبل بذل المال كثيرة وطرق السقيا عديدة، والحاجة للماء ملحة ولا سيما في الحر الشديد في البلاد الحارة فتتوافر أسباب السقيا وتتعدد طرقها، فلا يحسن بالمؤمن أن يحرم كل سبلها وطرقها، ومن ضرب بسهم في كل سبيل حاز منها خيراً كثيراً وجمع أجراً عظيماً (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، (20) سورة المزمل.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لأهلي ورد البعير لغيري فسقيته، فهل لي في ذلك أجر، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (في كل ذات كبد جرى أجرًا) رواه أحمد.
وعندما يشتد الحر تعظم قيمة الماء، ولا شيء ألذ من الماء الحلو البارد على الظمأ، ولذا أغرى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته في اتباع سنته بالشرب يوم العطش الأكبر من حوضه الذي وصفه بقوله: "ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من ريح المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدًا"، رواه الشيخان. وفي الجنة "أنهار من ماء غير آسن"، أي لا متغير، لا بوخم ولا بريحة نتنة ولا بمرارة ولا بكدورة بل هو أعذب المياه وأصفاها وأطيبها ريحًا، وألذ شرابًا.
وسقيا الماء من خير الأعمال، وصدقة الماء من أفضل الصدقات كما جاء في حديث مرسل أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أي الصدقة أحب إليك؟ قال الماء، وفي رواية أن سعدًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أمي توفت، ولم توصِ أفينفعها أن أتصدق عليها؟ قال: نعم، وعليك بالماء.
أسأل الله العلي القدير أن يسقينا وإياكم من حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - ووالدينا، وأن يجعلنا مباركين أينما كنا.