هيئة التحرير بالثقافية - الجوف - محمد هليل الرويلي:
اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي كافة مناحي الحياة لتفرض بطريقة غير مباشرة قوانينها على كل من يستخدمها ويتعامل معها، ولعل أحد أهم النطاقات التي ولغت فيها «اللغة»، ليجد مستخدمو هذه الوسائط أنفسهم أمام معاجم لغوية جديدة! أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها خليط بين عدة لغات عربية وغير عربية، وقد ربطها بعض المختصين في اللغة ب»العربيزي»التي ظهرت نهاية القرن العشرين وهي لمن لا يعرفها أبجدية غير مُحدَّدة القواعد مستحدثة غير رسمية ظهرت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، يستخدم البعض هذه الأبجدية للتواصل عبر الدردشة على الإنترنت باللغة العربية أو بلهجاتها، وتُنطق هذه اللغة مثل العربية، إلا أن الحروف المستخدمة في الكتابة هي الحروف اللاتينية والأرقام بطريقة تشبه الشيفرة.ويستخدمها البعض في الكتابة عبر الإنترنت أو رسائل المحمول، يرجح البعض نشأتها إلى أوائل الألفية الجديدة من خلال شبكات المحادثة المنقولة بالإنترنت كآي آر سي وهو نظام التبادل الفوري المعتمدة في الغالب على أنظمة اليونكس والتي لم تتح سوى الحروف اللاتينية للكتابة، مما أجبر الكثير من العرب على استخدام الحروف اللاتينية، وكانت شبكات الدردشة هذه قد ظهرت قبل ظهور التليفون المحمول والرسائل القصيرة في البلدان العربية، حيث لم تكن الحروف العربية متاحة في الأجهزة الموصولة على شبكة الإنترنت، وقد انتشر استخدام تلك الشبكات لدى الطلبة العرب المبتعثين كطريقة تواصل أوفر مادياً من المكالمات الهاتفية، وللعرب سابقة في الكتابة باللاتينية حيث يكتبون أسماءهم في جوازات السفر بالعربية واللاتينية.
غير أن السبب الرئيسي لانتشار هذا النوع من الأبجدية اقترن مع ظهور خدمة الهاتف المحمول في المنطقة العربية، وذلك لأن خدمة الرسائل القصيرة (sms) تتيح للأبجدية اللاتينية حروفاً أكثر في الرسالة الواحدة عنها في نظيرتها العربية، مما دفع بعض الذين لا يتقنون الإنجليزية إلى الكتابة بالحروف اللاتينية ولكن بصيغة عربية. وسرعان ما انتشرت بين المستخدمين لتوفير أكبر كم من الحروف كما فضلها المستخدمون الذين اعتادوا على استخدام الأبجدية اللاتينية لأنها تحل مشكلة عدم دعم بعض الأجهزة للأبجدية العربية.
ولكن الأمر مختلف تماماً مع مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشتعل فيها بين فينة وأخرى صراعات قوية تدور رحاه على منصات التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها: «تويتر، فيس بوك، سناب شات...»، هناك حيث تتصارع القيمتان اللغويتان: الفصحى والعامية، لينتصر لكل منها ثلة من المثقفين والأدباء وفق قيم يدافعون عنها ويتصارعون عليها، ويبرز سؤال مهم في هذا النسق ما هو أساس الدعوة إلى العامية، ومن هو أول من دعا إليها واستنهض مؤيديها؟
إلا أن الاندفاع الكبير نحو اللغة العامية التي يروج لها بعض المثقفين بحجة الوصول إلى أطياف الشارع منفصلة تماماً عن تلك التوجهات التي سادت في بعض البلدان العربية، فالتحدي الآن هو بين جيل جديد يستخدم لغة يراها كافية من وجهة نظره وتؤدي المهام التي يطلبها منها، وتبقى المسؤولية على أساطين الثقافة والأدب في تفعيل نقاط القوة في العربية الفصيحة التي تعكس الأبعاد الدينية الحضارية والتاريخية للسعوديين، ولا يمكن تفعيل هذه الأدوار للغة إلا عبر دعم المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة للغة الفصيحة وتنميتها والترويج لها خصوصاً عند الجيل الجديد، ولعل التجارب السابقة في دبلجة الرسوم المتحركة للأطفال باللغة العربية الفصحى تعد تجربة رائدة في هذا المجال، وقد أسهمت في زرع حب الفصحى وتكثيف ارتباط الجيل الصاعد بها.
كل هذه المحاور والأقطاب ستطرحها الثقافية في هذا العدد، عبر استطلاع آراء، ومقالات، وحوار، لأكاديميبن ومثقفين، ومختصين في هذا الجانب.