إبراهيم بن سعد الماجد
ما أصعب الألم عندما تتقاسمه مع من يقاسمك الحب!
وما أصعب الدمع عندما ينهمر لا جزعًا وإنما لدمع أنهمر من قلب حبيب أوجعه ما أوجعك!
نعلل بالدواء إذا مرضنا
فهل يشفي من الموت الدواء
ونختار الطبيب فهل طبيب
يؤخر ما يقدمه القضاء
وما أنفاسنا إلا حساب
ولا حسراتنا إلا فناء
حقيقة نعرفها، وندرك بأنها واقعة لا محالة، ونؤمن بأن لكل أجل كتاب، ولكنها الحقيقة الإنسانية التي ندركها ولا نريد أن ندركها، فما لا نريده هو في الحقيقة حقيقة إيمانية نؤمن بها. فلا مناص ولا مفر من النهاية التي نكرهها {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
أأمل أن أحيا وفي كل ساعةٍ
تمر بي الموتى تهز نعوشها
وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي
بقايا ليالٍ في الزمان أعيشها
صلاة فمقبرة فمجلس عزاء، مشهد يتكرر كثيرًا، ومع كل ذلك نخرج منه كما دخلنا! وكأن الأمر لا يعنينا! وكأن خبر اليوم، لن يكون خبر عنا بالغد!
صبيحة يوم عظيم فضيل رحل ذاك الرجل الذي كان ملء السمع والبصر، كرمًا ونخوة ودينًا، شقيق والدتي رحمها الله تعالى، ووالد زوجتى المرأة الفذة والزوجة الحبيبة، التي شاركتها وشاركتني حب هذا الرجل العظيم فلم يكن والدها دوني، ولم تكن ابنته دوني، فقد كنت له الابن الذي نال محبته وصدق مشاعره.
خالي الشيخ مهنا بن محمد المهنا، في سيرته التي لم تسودها الصحف ولكن حفظتها صدور الرجال الذين توافدوا معزين من أنحاء الوطن، وفاضت مشاعر المتصلين حبًا وتقديرًا لما عرفوه عنه - رحمه الله - من كريم السجايا، وأنبل الصفات.
أمراء وعلماء أجلاء ووجهاء وشيوخ قبائل، ورجال صلاح وتقوى، وأصدقاء أوفياء، جاءوا يحملون مشاعر صادقة تجاه فقيدنا الكبير، أناس كادت أخبارهم عنا تنقطع، جاء بهم هذا النبأ الحزين، فذرفوا الدموع الحارة على فقدهم هذا السند لكل من استند، بماله وجاهه وثقة الناس فيه، الجميع كان يردد.. هذا والدنا مثل ما هو والدكم وأكثر، حقيقة تردد ليست كأي مجاملة، ولكنها إثبات حقيقة لمسها البعيد والقريب، والذكر والأنثى، فرحمة الله عليك أيها الفقد الكبير.
أبناء خالي وبناته المثال الأجمل في المحبة والألفة وتقدير الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، هو في الحقيقة نتاج تربية صالحة من أب صالح ووالدات صالحات مربيات، فالحمد لله على هذه النعمة.
بكيت، نعم بكيت لفقدي دعواته، وسؤاله، ومحبته.
بكيت لحالي لا لحاله، فما الذي لازم القرآن والمسجد والذكر والصدقة والبر يبكى عليه خوفًا، ولكن نبكي لانقطاع هذا الخير عنا، وحزنًا على حالنا.
شيء كلما تذكرته غصيت بدمعي، فرحًا، هذا الشيء حرص ابنته (زوجتي) بما يدخل السرور عليه وهو على سرير المرض، فما انقطعت عنه حتى في الأيام التي كان شبه نائم نتيجة المخدر، كنت سعيدًا بحرصها مشجعًا لها على برها، مشاركًا لها في حبها، كانت مؤمنة بالقضاء المحتوم، ولذا كانت تحاول جاهدة أن تنثر ولو قليلاً من السرور عليه عند زيارته، وهو الذي كان حريص على وجودها، كونه يستأنس بذلك، ويستبشر.
مآثر فقيدنا كثيرة، تجعلنا نفرح عندما نتذكرها، كونه بذل ما يمكن أن يكون شفيعًا له عند ربه، فالله الرحمن الرحيم يجازي على القليل بالكثير فالحمد لله الذي جعلنا من أهل التوحيد.
أخي سليمان الابن الأكبر يحمل من صفات والده الكثير، ولذا كان أخوته الثمانية ملتفين حوله يشعرون تجاهه بالبنوة ، كما هو يشعرهم بالأبوة، وكذلك الأخوات الفاضلات، لحمة تسعد القلوب، وكأنهم يقولون لوالدهم نحن على العهد يا والدي حبًا وعطاءً لبعضنا، ووفاء لكل من كنت له واصلاً وباراً.
رحم الله خالي وجمعنا به ووالدين في الفردوس الأعلى من الجنة.
الحمد لله على ما قضى، والحمد لله على أن جعلنا مسلمين.