عطية محمد عطية عقيلان
نهدف طيلة حياتنا لتحقيق السعادة، وكل ما نمارسه من أعمال أو علاقات أو هوايات هي بغرض الوصول إليها، ولكن «السعادة» موضوع ليس له إطار أو طريقة محددة يمكن من خلالها تحقيقها، لا سيما أن لكل منا رؤيته ونظرته ومعاييره الخاصة، وقد طرح الإذاعي والمحلل السياسي الأمريكي دينس براجر في كتابه «السعادة مشكلة حقيقية Happiness Is a Serious Problem» وتناول فيه العديد من المصطلحات، إلا أن أهم ما جاء فيه هو قصة «المربع المفقود» وفيه ذكر أن ما يلفت نظرنا عند دخول قاعة ويكون هناك بلاطة مفقودة في السقف يكون التركيز عليها وتفقد السقف جماله، وأسقط ذلك على حياة الفرد وهو أنه يركز على المربع المفقود أو الجزء البسيط غير الموجود لديه، ولكنه يفقده السعادة بالأشياء الكثيرة التي يملكها، لذا دعا لأهمية رفع الوعي وتجنب الطمع والتركيز على الإيجابيات التي تملكها وليس القطع الصغيرة التي ليس لديك، وهذا في رأيي سبب رئيسي لتعاسة الكثيرين، خصوصاً عند المقارنة مع الآخرين سواء فيما يملكون أو طريقة عيشهم، لا سيما أن حياة الناس أصبحت متاحة على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار هوس التصوير لكل نشاطاتنا جعلنا نرى حياة مثالية يعيشها الآخرون في منتهى السعادة «وهذا ليس دوما حقيقي»، وأثر ذلك في الاستمتاع بواقعنا، لأننا نتذكر ما يعيشون فيه من رغد من السيارات والبيوت والاستراحات وما يقومون به من سفريات وعلاقات الحب بينهم، متناسين أننا نمارس نفس الشيء بادعاء الكمال عند التصوير، لذا أسوأ ما يعكر صفو حياتنا هو المقارنة والندم على ما فات والخوف كثيراً من المستقبل، علماً أن الإنسان بطبيعته ينظر إلى ما يملكه الآخرون سواء من صفات أو أملاك إما يغبطه أو يحسده وتكون سبباً في التأثير في سعادته بما يملك، علما أننا نردد أن ليس هناك أحد مرتاح ولكل همه أو مشاكله الخاصة، ولكننا لا ننظر إلى معاناة الناس وما ينقصهم وما يعانونه من مشاكل وعوز ومرض ونحمد الله على النعم التي نتقلب فيها، بل ننظر إلى ما يملكون وكيف يعيشون حياة مثالية «مصطنعة غالبا» ونتحسر على أننا لسنا مثلهم، ومن الضروري أن نتدرب على النظرة الإيجابية لكل ما يمر بنا ولا مانع من أخذ العبر والاستفادة منها، وكما يقال في كل شر خير ولكل جانب سيئ جانب جيد، روي أن عيسى (عليه السلام) مر مع الحواريين على جيفة كلب فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا الكلب، فقال عيسى عليه السلام ما أشد بياض أنانه!! وهناك قصة لأعرابي تعبر عن السعادة قد تكمن في أشياء بسيطة إذا اقتنع الإنسان بقيمة ما يملكه، فيروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي، لقي أعرابيا وسأله من أين جئت فقال من البادية، فسأله وما بيدك ؟، قال: عصا، فقال له: ما تفعل بها؟، قال الأعرابي أركزها لصلاتي، وأعدها لعدتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيي، ليتسع خطوي، وأبث بها النهر فتؤمنني، وهي محمل سفرتي، وعلاقة أدواتي، ومشجب ثيابي ألقي عليها كسائي فيسترني من الحر، ويقيني من القر، تدني ما بعُد مني، وأعتمد بها عند الضراب، وقرع الأبواب وأتقي بها عقور الكلاب، تنوب عن الرمح في الطعان، وعن الحرب في منازلة الأقران، ورثتها عن أبي، وأورثها بعدي ابني. وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، وجماله وصفه لعصاه نابع من رضى أنها هي شيء ثمين وله قيمة، وهذا يختصر الكثير في حياتنا ونظرتنا لقيمة ما نملك بعيدا عن المقارنة بالآخرين، وسيبقى غايتنا دوما أن نعيش حياة سعيدة هانئة، فلنسعى أن نحاط بمن يحققون ذلك ويجعلونك مبتسما متفائلا، ويضيفون متعة وأهمية لما ننجز في حياتنا، وأختم ببعض الأبيات للتفاؤل والابتسام من قصيدة «ابتسم للحياة» للشاعر إيليا أبوماضي:
قالَ السَماءُ كَئيبَةٌ وَتَجَهَّما
قُلتُ اِبتَسِم يَكفي التَجَهّمُ في السَما
قالَ الصِبا وَلّى فَقُلتُ لَهُ اِبتَسِم
لَن يُرجِعَ الأَسَفُ الصِبا المُتَصَرِّما