د.فوزية أبو خالد
دأبت بعض المجتمعات الحديثة ذات النظم السياسية الديموقراطية أو المتسمية بها قبل أن يكون هناك منصات إلكترونية للتواصل الاجتماعي وبه إلى عمل ما يعرف باستقصاءات الرأي (Opinion pool)
وهو نوع من الإجراء الاستطلاعي لمعرفة توجهات الرأي العام أو مواقفه من بعض الشؤون العامة وذلك لأخذ هذا الرأي في الاعتبار عند وضع السياسات الخاصة بشيء من تلك الشؤون أو عند الحاجة إلى اتخاذ قرارات جديدة أو إلغاء قرارات قديمة في أي شأن قد يمس المجرى المعيشي للمجتمع المعني أو لفئة ما منه.. من الناحية التشريعية أو التنفيذية أو الاثنين معا. هذا بطبيعة الحال بالإضافة لآليات مؤسسة وثابتة من آليات ذلك النظام التي توظف ككشاف وكبوصلة لعلاقة مثل ذلك النظام بقضايا الرأي العام وتوجهاته التي في ضوئها تصاغ السياسات ويجري التوصل للقرارات.
أما في المجتمعات التقليدية فقد جرت العادة وخاصة فيمن حافظ منها على البنى والأنساق والعلاقات التقليدية في إدارة الشأن العام، على اتباع سياسة الباب المفتوح التي تتيح للعامة حضور مجالس المسؤولين من أعلى مستوى في الهرم السياسي والإداري إلى تدرجاته الأدنى فالأدنى لتلك المجتمعات بحيث تشكل تلك المجالس ما يشبه المصب لإيصال الرأي والمطالب العامة بل الحاجات الخاصة لصاحب الأمر أي صاحب القرار بما يساعد على وضع السياسات العامة بالصورة التقريبية التي تخدم تلك الآراء والمطالب وما في حكمها من مواقف تعبر عن الرأي العام، وذلك أيضا على المستويين التشريعي والتنفيذي المتعلق بالموضوع أو المواضيع المعنية.
والواقع أن الدارس أو حتى المتابع العادي مثلي يجد أننا على مستوى المجتمع السعودي قد مررنا منذ تأسيس المملكة ككيان سياسي موحد مستقل بعدة تجارب وعدة أشكال متراوحة لخلق جسر من التواصل الشفوي والمكتوب العفوي والمقنن بين المسؤول وبين المواطن في شئون وشجون الرأي العام وفي سجل المطالب وتلبية الحاجات المعيشية من أريحية صيغة المجالس الأسبوعية من مجلس الملك إلى مجالس لإمارات لمناطق المملكة مترامية الأطراف، ومن دور الإعلام وخدمات العلاقات العامة الملحقة بمعظم قطاعات الجهاز الحكومي إلى صندوق الشكاوى والمقترحات في مقرات الخدمات العامة مستشفيات مرور مؤسسات تعليمية جمارك الخ، ومن الوظيفة النُصحية لمجلس الشورى الذي قام في بداية توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1927م إلى إعادة إحياء مجلس الشورى بعد عدة عقود من التوقف وذلك في عهد الملك فهد رحمه الله عام 1993م، مع ما صاحبها من توسيع لعضوية المجلس عددا وتمثيلا للمناطق دون الخروج على وظيفته الاستشارية ولكن بتوخي دور تجسيري بين الدولة والمجتمع من خلال منح الحق لكل عشرة من الأعضاء باقتراح أنظمة جديدة أو تعديل أخرى قديمة، بافتراض أن منبع مثل تلك المقترحات يعود لاتصال أعضاء مجلس الشورى بالمجتمع ومعايشته شجونه وشؤونه وهمومه وتوخي مطالبا تعبر عنه بتقديم أي مقترحات تصحيحية أو مستجدة، هذا بجانب التوسع المتتالي عبر ما يقارب اليوم ثلاثين عاما في عضوية المجلس ولكن بتركيز على الصفة التكنوقراطية للأعضاء مع الحفاظ بالطبع على توازن مناطقي قبلي ومذهبي إلى عام 2011م الذي قضى في عهد الملك عبدالله رحمه الله بضم تمثيل نسائي لعضوية المجلس. يضاف لهذه الأشكال المحافظة التي تتفق مع تقليدية بنية النظام السياسي والاجتماعي في المجتمع السعودي من أشكال الجسور بين الرأي العام وبين وضع السياسات كان هناك الشكل الأكثر حيوية من أشكال جسور التواصل بين المواطن والمسؤول وبين المجتمع والدولة بما فيها الحكومة كجهاز تنفيذي وهو الجسر الذهبي المعروف عالميا بمسمى السلطة الرابعة أي الصحافة. فالصحافة بالمجتمع السعودي وعلى رسميتها قد حظيت بدور فعال في أن تكون حلقة وصل معبرة بين المجتمع وبين صناع السياسات في مختلف قطاعات الدولة وخاصة القطاعات المناط بها الخدمات الأساسية للمجتمع من التعليم للعلاج ومن الموارد المعيشية والضرورات الحياتية إلى السكن والعمل.
والواقع أن ما أثار شجن هذه القراءة السيسيولوجية العجلى في هذا المقال لمراحل وأشكال «همزة الوصل» أو «الكيفيات» التي مرت بها المملكة العربية السعودية في العلاقة بين المجتمع ومطالبه الاجتماعية وقضايا الرأي العام فيه وبين صناع القرار وواضعي السياسات في الشؤون الإدارية والاجتماعية وما إليه هو تحول بعض منصات التواصل الاجتماعي اليوم إلى أرضية لإيصال صوت المواطن وبعض من هواجسه ومشاغله وقضايا الرأي العام للمسؤول أو صانع القرار وصناع السياسات وهي منصة على مشروعيتها دوليا في هذه اللحظة التاريخية الإلكترونية إلا أنها تظل منصات افتراضية قد لا تغني عن التفكير الوطني الغيور في تطوير الكيفيات التقليدية والتفكير في كيفيات ابتكارية جديدة ليكون لدينا على أرض الواقع وليس فقط على الأرضية الافتراضية بدائل تضاهي المستجدات التي خلقتها التحولات السريعة والعميقة على الصعيدين التشريعي والتنفيذي لتكون جسرا حواريا تشاوريا يمثل المجتمع ويعبر عنه لدى صناع المستقبل صناع القرار وصناع السياسات بأشكال أكثر فعالية وأوسع مشاركة
وأختم بعينة لتغريدتين وجدت فيهما من الجدية ومن الحس الوطني وحس المسؤولية ما يشكل مثالا على ضرورة التفكير المشترك في قضايا الرأي العام وضرورة تطوير آليات التواصل على أرض الواقع بالإضافة للافتراضي بما يعمق اللحمة الوطنية في صناعة المستقبل ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تغريدة أ. يوسف الكويليت:
«صعود أسعار العقارات هل يترتب عليه مشاكل اجتماعية مثل الامتناع عن الزواج والإنجاب بسبب الدخل المحدود وهجرة المدن الكبرى للصغيرة وكيف سنعكس هذا وغيره على تصاعد الفواتير والمتطلبات الأخرى؟
وهل فكرنا في ذلك وفق خطط تعالج هذه القضايا وغيرها؟!»
****
تغريدة د. عبدالله بن ربيعان:
«... نحتاج إلى دراسات مقارنة للأسعار عندنا مع دول الجوار ومع بقية دول العالم، ونحتاج إلى توضيحات لماذا الاستقدام عندنا أغلى ولماذا أسعار الطيران أعلى ولماذا أسعار دقيقة الاتصالات أغلى والفنادق الخ..»
****
وأخيرًا تبقى في عنقي كلمات نقية أوجهها إلى شمعة المجلة الثقافية لصحيفة الجزيرة د.إبراهيم التركي، شخصية العام وكل الأعوام د.عبدالله الغذامي، فريق موهبة من شابات وشباب الوطن الذين كتبوا لوطننا الغالي بأعمارهم الفتية وإبداعاتهم الأولى سجلا حافلا في التحالف مع المستقبل.