يسبقني دمعي وحقَّ لعيني أن تفيض، وهل يُطفىءُ الدمع نار الوداع وحرارة الشوق والالتياع هل؟... لقد فاجأتني بالرحيل يا رفيق الدرب وصديق العمر وابن العم وتركت لي كل هذا الشجن الأليم.
مدّ ذلك المساء ظلامه داكنًا وثقيلًا قلبي يُحدثني بشيء ما؟.. إحساسٌ يخالجني وشعورٌ يساورني وهُمومٌ تُحاصرني.. حتى قطعت «جُهينة» هاتفي: «لقد مات الأخ الحبيب» محمد بن سعد الماضي» ورحل كطيفٍ رهيف الحس وضيفٍ خفيف الظل تاركاً جميل الأثر وأطيب السِيَر.
رحلت يا أبا سعدٍ وحملت معك السعادة إلى دار الخلود.. رحلت أخي وصديقي وزميلي.. عرفتك مجتهداً ومثابراً وملتزماً.. بديع الصنع جميل الخلقُ.. بهي الطلعة رفيع القيمة والمقام.
أفنى «محمد» شبابه وورْد أيامه في خدمة واجبه الرسمي والاجتماعي والأسري.. وكان دوره المشهود وجهده المعٍهود من خلال مجلس إدارة شؤون وصندوق الأسرة لثمانٍ وثلاثين سنة أعطى خلالها ولم يستبْقِ شيئًا أو يدخرُ جهداً أو يخفي سراً.. أجزل العطاء بكل سخاء.. مُستلهمًا كريم الخصال وقيم الخير والجمال.
كان رفيق عمري كخيطٍ من حريرٍ ناعمٍ يربط حبات نضيد أسرتنا.. اختط لحياته منهجاً سليماً ووصلاً جميلاً مع الجميع.. فكان باراً وواصلاً لأرحامه وأصدقائه وزملائه.. وتشهد له أربعين سنة في السلك الوظيفي بالمهنية العالية والثقة الغالية.
ثمانون عاماً مضت، مضى بعدها «محمد بن سعد الماضي» إلى داره ومُستقره -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - ونسألك يا الله أن تجعل قبره روضةً من رياض الجنة وأن تبدله داراً خيراً من داره.. اللَّهم ارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه، واغفر لنا وله يا رب العالمين.
أعزي نفسي في جليل فقدي، وأعزي أبناءه وبناته وأصدقاءه ومعارفه وزملاءه، والعزاء لكامل أسرة آل ماضي الممتدة، أسأل الله لهم الصبر الجميل وأن يجمعنا في جنة الخالدين، إنه جواد كريم. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- عبدالله الماضي