د.عبدالله بن موسى الطاير
اليوم الاثنين 23 مايو 2022م ينطلق الحوار الاستراتيجي، ولمدة يومين، بين أمريكا ممثلة في وزارة الخارجية، ومنظمة التعاون الإسلامي ممثلة في الأمانة العامة، ويتوج الحوار بلقاء بين الوزير أنتوني بلينكن والأمين العام للمنظمة، التشادي، السفير حسين إبراهيم طه. هذا الحوار الإستراتيجي خطوة متقدمة، ومتأخرة، سرّع في حدوثه المبعوث الرسمي للولايات المتحدة لدى المنظمة السابق والحالي، بجهود منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما أعادت إدارة الرئيس ترامب تسمية القنصل العام في جدة مبعوثًا رسميًا لها لدى منظمة التعاون الإسلامي. حوار المنظمة الاستراتيجي مع أمريكا يقع ضمن عدة حوارات مماثلة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
لماذا ينظر إلى الحوار الاستراتيجي مع أمريكا على أنه حدث؟ الجواب من وجهة نظري له شقان؛ الأول أن النخب السياسية الأمريكية مثلها مثل كثير من النخب المؤثرة في الدول الأعضاء لطالما اعتبرت منظمة التعاون الإسلامي على أنها منظمة دينية، ولذلك وضعت المنظمة في وزارة الخارجية الأمريكية تحت إدارة المنظمات الدينية، والثاني أن المستجدات الحاصلة في العالم أسهمت في عقد هذا الحوار في هذا التوقيت تحديدًا.
شخصيا، وفي الاجتماعات التحضيرية التي شاركت فيها، أكدت على أن علاقات وثيقة مع الإدارة الأمريكية هي دعم مهم للمبادئ الأساسية التي قامت عليها المنظمة في مجال تعزيز الأمن والسلم العالميين، وكما تعلمنا من مجريات الأحداث على مدى العقود الماضية، فإن أمريكا لاعب مهم، بل هي المتحكم في القرار العالمي، ولذلك فعلاقات متميزة معها سيسهم في دعم عمل المنظمة السياسي والإنساني والتنموي؛ وبخاصة في أفغانستان، ودول الساحل، ومهجري الروهينجيا، علما بأن USAID شريك مهم للمنظمة في العمل الإنساني.
وبالمناسبة، فعلى الرغم من اطلاعي واهتمامي، فعندما دلفت إلى مقر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي للمرة الأولى في مطلع فبراير 2018م، كنت أحمل تصورات ضبابية عن المنظمة، ولم أكن أشطح بفكري بعيدا عن كونها مؤسسة للعمل الإسلامي المشترك، بالمعنى الحرفي للكلمة، ويوما بعد آخر عرفت أنها منظمة سياسية بامتياز، يديرها وزراء خارجية الدول الأعضاء في اجتمع سنوي، وأنها ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، فهي تتقدم في عدد الأعضاء البالغ 57 دولة على الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، والآسيان وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية. وعندما نصفها أنها حكومية فذلك يعني أنها تتعامل مع الحكومات فقط وليس الأفراد أو القطاع الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني، وأي تعامل لها مع أي من القطاعات غير الحكومية فإنما يكون من البوابة الرسمية للدول الأعضاء.
بنيت أجهزة منظمة التعاون الإسلامي على غرار نموذج الأمم المتحدة ما بين منتمية ومتفرعة ومتخصصة، وإذا كان أهم جهازين في الأمم المتحدة هما البنك الدولي واليونسكو، فلدى منظمة التعاون الإسلامي جهازان مماثلان هما البنك الإسلامي للتنمية (جدة) والإيسيسكو (الرباط). وكما أن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة مندوبين دائمين لدى المنظمة في نيويورك، فإن للدول الأعضاء مندوبين دائمين لدى منظمة التعاون الإسلامي، ولبعض الدول الأعضاء في المنظمة مقرات مستقلة لمندوبياتها في جدة ويمارس البعض الآخر عملهم من داخل السفارات في الرياض أو القنصليات في جدة، وتتمتع المندوبيات للدول الأعضاء أو المراقبة بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية ذاتها التي تحظى بها البعثات الدبلوماسية. وبحسب اتفاقية المقر، فإن مقر أمانة منظمة التعاون الإسلامي المؤقت في جدة (المقر الدائم حسب الميثاق هو القدس) والعاملين في المنظمة يتمتعون بجميع الحصانات والامتيازات التي تمنح للدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية حسب اتفاقية فيينا.
أثبتت المملكة على مدى 51 عاما حرصها على استقلالية عمل منظمة التعاون الإسلامي وعدم منع أي وفد من وفود الدول الأعضاء من المشاركة في اجتماعات المنظمة حتى ولو كانت العلاقات الثنائية مقطوعة مع بلد عضو في المنظمة. وتسهم جميع الدول الأعضاء بدون استثناء في ميزانية المنظمة السنوية وفقا لنسب محددة من الناتج المحلي للدول التي تتوزع على ثلاث مجموعات جغرافية: عربية، إفريقية، وآسيوية.
المنظمة التي أسست عام 1969م بمبادرة سعودية مغربية تعد واحدة من القوى المؤثرة في مجال العلاقات الدولية المتعددة، وكنت شاهدا - خلال أربع سنوات ونصف السنة من عملي فيها، الذي ينتهي بنهاية هذا الشهر - على أهميتها لدولها الأعضاء، كما هي مهمة للدول غير الأعضاء بالمنظمة وبخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بدون استثناء.
بعد أربع سنوات ونصف السنة من العمل مديرا عاما لديوان الأمين العام للمنظمة فمستشارا لمعاليه، تعلمت في هذه المنظمة ما لم أتعلمه في تجاربي السابقة، فلأول مرة اشتغل في مجال العلاقات المتعددة، من داخل وطني، وأتعامل مع المملكة كدولة عضو، ودولة مقر، محاولا الفصل بين انتمائي الوطني وعملي الدولي الذي يفرض الوقوف على مسافة واحدة من جميع الدول الأعضاء.