د. إبراهيم بن جلال فضلون
دولتا إرهاب: إن الوفدين السويدي والفنلندي، يجب «ألا يخوضا مشقة» القدوم إلى أنقرة لإجراء المفاوضات، مُكررًا تأكيد مزاعمه، أنهما دولتان تحتضنان «إرهابيين»، قالها صراحة ووراؤها عينان ذات مصالح كُبرى. إنها ألاعيب أردوغان المغروسة في مشاكلها التي لا تنتهي، مع دول الاتحاد المريض، وخلافاتها الداخلية والمعارضة التي تصدح صراخاً وحزناً على الليرة التي هوت واقتصادها المنهار وسياسة دولتها التي اهتزت في تعاملاتها مع كافة القضايا وأثارت مشاكل لها وللآن خاصة فيما يتعلّق بإيوائها للتنظيم الدولي الإخواني ورعايتها للمنظمات الإرهابية وتدخلاتها بشؤون الدول كـ «ليبيا» التي وضعت «مصر» خطاً أحمر فيها لقطع دابر الميليشيات التركية منها.
شخصنة أردوغانية: لقد شخصن أردوغان المشكلة، وفقاً لمنظور حكومته، مما يخلق فوضى في جسد (الناتو)، مُبرراً عاصفته السياسية بأهداف قد تكون مُوجهة لدول شمال أوروبا، إن لم يكن الأرجح واشنطن، وكذلك لامتناع الدولتين السابقتين عن اشتراطات ثلاثة هي: (تسليم بعض أفراد حزب العمال الكردستاني «PKK»، الذي تُصنفهُ أنقرة منظمة إرهابية إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ثُم إيوائهما لأنصار رجل الدين التركي فتح الله غولن المُقيم بأميركا، والذي يُلقي عليه الرئيس التركي اللوم في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وثالثاً: أن عليهما رفع القيود المفروضة على صادرات الصناعات الدفاعية إلى تركيا).
يُبرر أردوغان حربه على كردستان ويتخذها ذريعة، لا سيما أن التنظيمين لديهما نشاط واسع في فنلندا والسويد وهذا النشاط هو مركز لنشاطهما في أوروبا ككل، متسائلاً أردغان: كيف نثق بهم؟ السويد هي حاضنة التنظيمات الإرهابية.
يُدخل أردوغان تركيا في لعبة من مرحلتين، يُحسّن فيها من صورته الشعبية، قبل الانتخابات الرئاسية القادمة التي تُوصف بـ»المفصلية والحساسة»، رغم أن التحالفات السياسية في البلاد لم تصل إلى الشكل الذي سيتم المضي فيه، وهي أولوية أكبر من نظرة الغرب إليه، حيث تم صياغة نظام رئاسي قبل سنوات مُطبقاً لما يُعرف بنظام «الـ50+1»، من أجل الفوز الأردوغاني وحزبه بالانتخابات.
قد تتدخل أميركا بالضغط أو تغيّر مجموعة من التبادلات التجارية مع أنقرة، حتى تتغلب على الصوت التركي في نهاية المطاف، رغم الموقف التركي المتعنت بسبب معارضة الكونغرس على (صفقة) مقاتلات إف -16 التركية، كـ»جائزة ترضية» لدورها الدبلوماسي في الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنح كييف، طائرات «TB-2» المسيّرة، وهي المطرودة من برنامج مقاتلات «إف -35» الأميركية، بعد شرائها أنظمة «أس-400» الصاروخية من موسكو.. ولعدم تكرار الدروس كما في ثمانينات القرن الماضي حينما قبلت تركيا بعودة اليونان إلى «الناتو» بعد حرب الدولتين الضروس في عام 1974 للسيطرة على قبرص، التي كانت عائقاً رئيسياً أمام محاولة تركيا الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، كما رفضت اليونان تصويت الأمم المتحدة على الخطة التركية لتوحيد قبرص، وانخرطت في نزاعات إقليمية مستمرة مع أنقرة على أجزاء من بحر إيجه والبحر المتوسط.
إن «المُواجهة هاهنا تُساعد في دعم صور حزب العدالة والتنمية وهيئة أردوغان الأسطورية كقيادي بارز في التاريخ التركي، فموقف تركيا الحالي لا يأتي ضمن إطار «الرفض»، بل هناك «تحفظات وعدم النظر إلى ذلك بإيجابية»، وهو ما أشار إليه أردوغان.. ليكون التفاوض الحقيقي مع الطرف الأميركي الذي يتزعم التحالف الغربي ككل، وليس مع الطرف الفنلندي والسويدي، فأردوغان متمرِّس على استخدام هيئات صنع السياسات التي يحركها الإجماع في الناتو، لانتزاع التنازلات التي يُريدها بشأن قضايا أخرى.. فقط هي السياسة وألاعيبها التي لا قوانين لها.