اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
مما لا يختلف عليه اثنان أن الحرب الدائرة في أوكرانيا بين روسيا والغرب ألقت بظلالها على العالم بأسره، حيث فرض الموقف على كل دولة أن تراجع حساباتها وتستعرض متطلبات أمنها الوطني وعلاقتها مع أطراف الصراع على ضوء تهديدات الحرب الماثلة وتداعياتها المحتملة على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية.
والدول العربية من أكثر الدول تأثراً من تداعيات هذه الحرب والتأثيرات الناجمة عنها، حيث إن المصالح التي تربط هذه الدول بأطراف الصراع والعلاقات التي تستند إليها هذه المصالح تجعل تأثيرات الصراع وتداعياته تتخذ أبعاداً مختلفة تبعاً لمستوى العلاقة بين الدول المتأثرة وأطراف الصراع المؤثّرة، وكذلك طبيعة الأحداث الجارية وتطورها ونوعية الأسلحة المستخدمة في الحرب والمستوى الذي يدور فيه الصراع من حيث ارتفاع شدته وانخفاضه، كل هذه العوامل لها أبعادها الخطيرة وتداعياتها السلبية التي تنعكس على الدول العربية، بالإضافة إلى ما يقابل ذلك من عقوبات اقتصادية مفروضة ومدى اتساعها وعلو سقفها ومجالها والأطراف المستهدفة بها، والآثار المترتبة عليها.
وهذه العوامل مجتمعة فرضت واقعاً قائماً، واحتمالاً قادماً، يضعان الدول العربية أمام الكثير من التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية والسياسية التي يتعيَّن على ضوئها التحسّب للمستقبل والتعامل مع الأحداث بحكمة وكياسة وحذر وفراسة، مع التمسك بالحياد المفيد والاستعداد لكل ما يستجد من جديد واليوم الشديد، حفاظاً على المصالح الوطنية والثوابت المصيرية والهوية القومية.
وإذا كان الأمر يستدعي ما قرع بابه وجذب أهدابه فإن الشرق الأوسط منذ أن استوطنه الاستعمار وجلب إليه الدولة العبرية وهو مكان صراع وموطن نزاع بين القوى الكبرى التي تتصارع للاستيلاء على ثرواته الطبيعية والاستفادة من مزاياه الإستراتيجية مما جعل من المنطقة العربية مسرحاً للتدخلات الخارجية والمشروعات الأجنبية ذات المطامع الاستعمارية والأهداف الجيوسياسية، وذلك على حساب الوطن العربي من خليجه إلى محيطه.
ومن هذا المنطلق فإن المنطقة العربية تعتبر أقل حصانة أمام تأثير الصراع في أوكرانيا وتداعياته، ومرد ذلك أن هذه المنطقة تشكِّل بؤرة من بؤر الصراعات المزمنة والأزمات القابلة للاشتعال نتيجة لتكالب القوى الكبرى على ثرواتها والأهمية الجيوسياسية والإستراتيجية التي تتمتع بها والتي جعلتها ميداناً للصراع الدولي والتنافس الأجنبي، علاوة على ما تعانيه في الداخل من التوترات والقلاقل المذهبية والطائفية التي يرعاها النظام الإيراني في عدد من الدول العربية.
والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا طورت الصراع وزادت من تأثيره وساهمت في تصديره، إلى الحد الذي أشتبك فيه العامل الاقتصادي بالعامل الأمني على النحو الذي تجلَّت فيه أهمية الطاقة والعبء الواقع على الدول المنتجة لها من جراء الحرب الاقتصادية وما لها من تداعيات تمتد آثارها إلى دول خارج دائرة الصراع وارتداداته الأمنية والاقتصادية.
وبمواجهة سلاح القتال بسلاح المال أصبحت دول الشرق الأوسط وبالتحديد الدول العربية عرضه لمزيد من التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالصراع من خلال وضع علاقاتها مع أطراف الصراع على المحك ومصالحها في المعترك، الأمر الذي يتطلب منها الحياد الإيجابي والتعامل مع الموقف بحذر شديد بهدف تحييد الإضرار وتجنبها، والاستفادة من الفرص المتاحة دون أن تنحاز إلى طرف على حساب الطرف الآخر.
وقد يتيح الصراع القائم فرصاً بالنسبة للدول النفطية لتعزيز مواقفها على صعيد العلاقات الدولية مع ضرورة التحفظ في المراهنات وعدم التعويل على بعض العلاقات، ومهما استفادت هذه الدول من الحرب الروسية الأوكرانية نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة وما يعود عليها من عائدات مالية فإن هذه الاستفادة لن تستمر طويلاً في ضبابية المواقف وغياب اليقين نظراً لتأثر الاقتصاد العالمي من جراء الحرب وارتفاع أسعار المواد والآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الاقتصادية وصعوبة التوفيق بين ما يفيد المنتج ويخدم المستهلك.
والعامل الاقتصادي عادة ما تتحكم فيه الطاقة، وعليها تتوقف حركة أسواقه، بوصفها تُعد مصدراً للرخاء والقوة ومحركاً للصراعات والأزمات وذات تأثير على السياسة العالمية، الأمر الذي أصبحت معه مسألة تأمين إمدادات هذه السلعة الحرجة وضمان وجودها في الأسواق العالمية يشكِّل الشغل الشاغل بالنسبة للمنتج والمستهلك.
وهذا الأمر دفع الدول المنتجة للطاقة إلى تشكيل منظمة البلدان المصدرة لهذه الطاقة التي تعرف بمجموعة أوبك وهي منظمة تتحمَّل مسؤولية استقرار أسواق الطاقة العالمية وتعمل مع تحالف أوبك+ من أجل ضمان استمرار تأمين حصول هذه الأسواق على الطاقة على المستوى العالمي.
ولا شك أن العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا والزج بنفطها وغازها في أتون الحرب الاقتصادية علاوة على إطالة أمد الحرب، كل ذلك خلق موقفاً صعباً أمام تحالف أوبك+ يتطلب من هذا التحالف مراجعة كشف حساباته وإعادة النظر في التزاماته وتحمّل مسؤولياته في سبيل إعادة التوازن وضبط التعاون والحرص على استقرار أسواق الطاقة والالتزام المرن بالاتفاقيات سارية المفعول وتطويرها.