عبدالرحمن الحبيب
هل اقترب عالم «العمل من أي مكان» للواقع؟ ففي 28 أبريل الماضي، حدد بريان تشيسكي، رئيس إير بي إن بي، سياسات جديدة لموظفي منصة تأجير العقارات تمكنهم من العمل أينما شاؤوا في بلد عملهم دون أي تعديل لتكلفة المعيشة، إضافة أنه يمكنهم قضاء ما يصل إلى 90 يومًا كل عام في العيش والعمل خارج البلد. كان السيد تشيسكي نفسه يعيش في الخارج خلال الأشهر القليلة الماضية.. تشيسكي يعتقد أن هذا هو المستقبل.
العمل عن بعد الذي اكتشفنا بسبب إغلاقات كورونا أنه ممكن وعملي واقتصادي لم يعد مقصوراً على العمل من المنزل بل امتد لمواقع وأماكن غير محددة أو ما يسمى «العمل من أي مكان» Working-From-Anywhere (WFA) وهو نهج مرن للعمل، حيث تسمح شركة أو منظمة لموظفيها من العمل بشكل منتج ومستقل من أي مكان، مع الحفاظ على ترابط وتواصل مع ثقافة الشركة وأهدافها. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب مؤخرًا، يتوقع ثلاثة أرباع العماليين الأمريكيين الذين يمكن أداء وظائفهم عن بُعد قضاء بعض الوقت في القيام بذلك بشكل كامل في المستقبل.
في هذه الحالة يمكن للناس القيام بوظائفهم التي يناسبها العمل عن بعد في المكان الذي يرغبون فيه على شواطئ المالديف أو جزر الباهاما أو في نادي رياضي أو في جناح فندق، حيث تطمس الخطوط بين العمل والترفيه وبين اللعب والعمل. حالياً تقوم الفنادق بتجديد بعض غرفها كمكاتب وتطرح عروض العمل من الفندق لتعيد اكتشاف أماكن تخلط بين الترفيه والعمل: جزر البهاما وكوستاريكا ومالطا هي من بين تلك البلدان التي تقدم تأشيرات للرحالة الرقميين.
لكن هناك العديد من العوائق والحواجز لهذا النوع من العمل.. تمثل العواقب القانونية والرواتب والضريبة للعمل من مواقع مختلفة على مدار العام صداعًا إداريًا يعترف تشيسكي بها، ويقول إنه سيبحث حلاً لهذه المشكلة في شركته. حتى إذا كانت طبيعة العمل تناسب العمل من أي مكان فإنها لن تناسب الموظفين الذي لديهم التزامات عائلية خاصة الذين لديهم أطفال. لذا تخلص صحيفة الإيكونيميست إلى أن العمل من أي مكان غير واقعي، وأنه «لن يكون نمط الحياة المتجول عالميًا مفتوحًا إلا لعدد قليل من المحظوظين».
أيضا هناك دراسة من هارفارد بزنس ريفيو تشير إلى أن مثل هذه الطريقة لا تبدو واقعية، خلاصتها أن وباء كورونا أدى إلى تسريع وتيرة العمل عن بعد في المنظمات القائمة على المعرفة، مما له فوائد ملحوظة: يمكن للشركات التوفير في تكاليف العقارات، وتوظيف واستخدام المواهب على مستوى العالم، والتخفيف من مشكلات الهجرة، وتجربة مكاسب الإنتاجية، بينما يمكن للعمال الاستمتاع بالمرونة الجغرافية. لكن في الوقت نفسه، تشمل المخاوف كيفية التواصل عبر المناطق الزمنية، ومشاركة المعرفة التي لم يتم تقنينها بعد، والتواصل الاجتماعي افتراضيًا، ومنع العزلة المهنية (تقلص الإبداع)، وحماية بيانات العميل، وتجنب التراخي. وتذكر الدراسة أنه بين الإيجابيات والسلبيات فإن جائحة كورونا فتحت عقول كبار القادة الأعمال في كبرى الشركات على فكرة تبني هذه الطريقة لجميع أو جزء من القوى العاملة لديهم حتى بعد انقضاء أزمة كورونا.
إذا كانت جائحة كورونا قد غيرت أو سرعت في تغيير طريقة عمل الناس من خلال العمل عن بعد في المنزل وما تخلله من استراحات، فإنها كذلك قد زادت من التغيير في طريقة عدم عمل الناس خلال الإجازات أو عطل نهاية الأسبوع أو الأيام العادية خارج ساعات العمل.. كورونا غيرت ممارستنا للعمل وهي الآن تغير ممارستنا للإجازة..
وقد اعترف أحد المديرين التنفيذيين أنه بعد أن انتقل إلى جزيرة يونانية لمدة أسبوعين في الماضي، فإنه يقضي الآن معظم الصيف هناك. إنه يكدح بضغطة زر خلال الأسابيع التي من المفترض أن يعمل فيها، ولكنه يقضي بضع ساعات في اليوم خلال ما يُفترض أن يكون إجازة. وبالتالي، فإن الطبيعة الثنائية للعطلات - سواء كنت تعمل أو لا تعمل - قد تصبح ضحية أخرى لفيروس كورونا.. لقد تم التفكير مليًا في الكيفية التي غيّر بها الوباء طريقة عمل الناس، وقد ينتهي الأمر بتغيير طريقة عدم عملهم أيضًا (الإيكونيميست).
الاسترخاء، الصفاء الذهني، التمتع مع العائلة أو الأصدقاء، الابتعاد عن هموم العمل خلال الإجازة.. الخ، كلها أصبحت شيئاً من الماضي بالنسبة لكثير من الموظفين، فلم يعد العمل المكتبي ثنائياً (عمل/ إجازة) بل صار ممزوجاً بينهما.. فإذا كانا نعمل عن بعد ونحن في المنزل ونستقطع جزءا من وقت العمل مع العائلة أو استراحة منزلية، فقد أصبحنا نستقطع جزءا من الإجازة ونخوض في العمل ونحن في جولة سياحية.
مع كورونا أصبح العمل عن بعد جزءا أساسيا من العمل وقد يصبح الجزء الأهم.. يقول مارك لوبوسكو، نائب رئيس Talent Solutions في LinkedIn عن العمل عن بعد «والآن بعد أن قامت الشركات ببناء الإطار، واختبرت وفورات التكلفة والوقت المرتبطة به، ليس هناك سبب حقيقي للعودة إلى الوراء».. ومن هنا امتزج العمل الرسمي مع النشاط اليومي العادي مع الاستراحة اليومية مع الإجازة..