عثمان بن حمد أباالخيل
قالت العرب قديمًا إن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده وقيل إذا دخلت «المبالغة» من باب، خرج العقل والإبداع من باب آخر، وأقوال المبالغة عدو خفي يعشقه الناس لكنهم يحبونه. والمبالغة في الشيء تعني ممارسة نقيضه والنقيض يعرفه من يُبالغ في أمره. شخصيا لستُ مع المبالغة في كل أشكالها وألوانها ونكهتها فهي طريق يؤدي إلى اللا معقول. وهل حقاً المبالغة جزء لا يتجزأ من نمط حياتنا؟ ديننا الإسلامي أمرنا بالاعتدال في جميع أمورنا.
للمبالغة صور كثيرة أود تذكيرهم ببعضها ومنها، المبالغة في الكلام أي الثرثرة، المبالغة في الأكل، المبالغة في المشاعر الإنسانية المستوحاة من الحب المغلف بالمصلحة، المبالغة في الإسراف قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، المبالغة في الثقة بالنفس وهي باب النرجسية، المبالغة في التوفير وهو باب البخل (إن تطلب شيئا إلى البخيل كأن تحفر بئرا في البحر. - مثل تركي)، المبالغة في طلب الديات تؤدي إلى استذلال وإرهاق ذوي الجاني وهو ما يتعارض مع أحكام الشرع، المبالغة في مكياج المرأة بالتالي تشويه الصورة الجميلة التي هي عليها، المبالغة في قيادة السيارة بسرعة جنونية والنتيجة لا قدر حادث أو التسبب في حادث. المبالغة في شراء الملابس، المبالغة في شعر المدح، المبالغة في إهدار الطعام في المناسبات الاجتماعية، المبالغة في التقديرات الاقتصادية، المبالغة في احتفالات النجاح، المبالغة في فرح الطلاق، المبالغة في مدح العريس أو العروس. مبالغات تمس حياتنا الاجتماعية.
يؤسفني أن المبالغة خلقتْ جماهير رياضيه متناقضة متنازعة وسببها المبالغة في الحديث عن الأندية الرياضية والتصاريح الرياضية من اللاعبين والمسؤولين والمحللين الرياضيين الذين يمدحون ويمدحون ويثنون بغير سقف معقول للمدح، هل حقاً ارتفعت نسبة المدح والمديح والثناء بشكل كبير حتى وصلت المسألة عند بعض الإعلاميين للخداع والكذب والتقليل من أهمية الأندية الأخرى. ويؤسفني أن بعض المعلقين الرياضيين والذي مفترض أن يكونوا حياديين وواقعين ولا يتأثروا بالميول أو الضغوط ولا يبالغ في المدح ركب خيل المبالغة ونسي دوره الأساسي. مبالغات مرفوضة لكنها في صميم الواقع الذي نعيشه.
يتخيّل لي وأتمنى أن أكون مُخطِئاً المبالغة بين الناس تشبه سباق الخيل، فالكل يريد أن يفوز بكأس السباق، الكل يمدح الكل ويتحول المديح إلى سباق ونفاق اجتماعي لا طعم له ولا رائحة. ويتخيل لي إن «فوبيا» الحسد والعين مبالغ فيها وربما سببه بعض الرقاة لهم يد في انتشار هذه الظاهرة خاصة الذين لا يملكون العلم الشرعي. يتخيل لي أن المبالغة في تقدير النفس! سببه الغرور والكبرياء واحتقار الآخرين والمديح الذي يسمعه من محيطه الصغير وربما المحيط الكبير والذي لا يغير من الواقع شيئا، فالواقع لا يتغير بالمبالغة مهما كانتْ المبالغة.
وختاماً لكل داء دواء فما هو دواء المبالغة، الواقعية ومعرفة الإنسان لنفسه من كافة نواحيها، الشفافية وعدم قبول المبالغة المبتذلة من أناس يمتطون صهوة الخيل وهم لا يعرفون كيف يمسكون رسمها، المصداقية وفرز الصادق من الكاذب والجام الكذّاب.