الحديث عن خطباء المساجد ذو شجون، فالخطيب يتبوأ مكانه عالية بين أفراد المجتمع، ويتوقف عليه نجاح الخطبة فإن اختيار هذه النوعية من الخطباء على أسس سليمة إذا توفرت لديهم الملكات الذهنية والمهارات والقدرات الفكرية التي تمكنهم من اعتلاء هذه المنابر وتوجيه المجتمع وحشد طاقاتهم وغرس المفاهيم والقيم التي تعكس هذا الدَّين.
فإن موقع الخطيب أكثر أهمية ودقَّة وأَشَد حساسية فهو يمثِّل جهة معينة أو مؤسسه مهمَّة ولكنَّه يعكس قيم الإسلام ومبادئه، ويرتبط في أذهان المجتمع بهذا الدَّين الحنيف، ويترك في عقولهم ووجدانهم الصُّورة المطلوبة منه.
فالخطيب إذا أُحسن اختياره وتدريبه يستطيع بعد الله أن يقدر المسؤوليَّة المنوطة به والدور الذي يتحمله ويفهم طبيعة الوسيلة التي يستخدمها في توجيه المجتمع على كافَّة المستويات الثقافيَّة والدِّينيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والأمنية ويحاول بقدر الإمكان تكييف المواضيع التي يتناولها على مدار الأسبوع وعلى مدار العام أن يراعي القدرات المتعدِّدة والمختلفة لدى المجتمع ويحاول استمالتهم وإقناعهم والتأثير عليهم ويتعرف على أحوال المجتمع وطبيعة القضايا التي يعاني منها المجتمع إن مهمة هؤلاء الرِّجال الأفذاذ لا تقتصر على تعليم البشر فقط وإرشادهم وتوجيهاتهم إلى الطرق الصحيحة لأداء شعائر هذا الدين.
فقد قال نبي الأمَّة المحمدية محمَّد بن عبدالله -صلوات الله وسلامه عليه - من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
حيث يعد الخطيب واحداً من أهم رجال الإعلام التي تتوفر لديه القدرة على الكلام والقدرة على طلاقة اللِّسان وفهمه لعلوم الإعلام وهي الأمور الضرورية التي يدعو إليها وذلك من أجل أحداث التغيير المطلوب في المجتمع الذي يعمل على هدايته والارتقاء به.
فإن الدعوة إلى الله هي رسالة الأنبياء والمرسلين، فهؤلاء الرِّجال هم نواب الأنبياء في هذا الأمر في التوجيه والإرشاد والنصح فقد يتطلب الأمر إلى كوادر بشريَّة قادرة على الاضطلاع بهذه الرّسالة المقدمة فهم الَّذين قال الحق تبارك وتعالى فيهم: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} سُورة آية (122).
وقد أكد الباري عزَّ وجَّل على أهمِّيَّة دورهم الإعلامي في الأمر بالمعروف وينهون عن المنكر، كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} سُورة آل عمران آية (104).
فالخطيب الَّذي يمتطي صهوة الدَّعوة بإخلاص وأمانة يجب عليه أن يتحلى بالنقاط التالية قوةَّ الشَّخصيَّة، وسلامة النّطق، وحضور الذهن، والاتزان العقلي والوجداني. والخطابة ملكة خص الله بها البعض من الناس أمثال الخطيب الشّيخ خالد بن صالح العثيم -وفقه الله - فقد مكّنه الله سبحانه وتعالى من ممارستها والقدرة عليها فهي إدارة الساسة والقادة ورجال الاتِّصال في كل عصر.
وعلى قدر جلال النعمة يعظم قدرها وتستبين مكانتها، وقد بين الإسلام كيف يستفيد النَّاس من هذه النعمة، وكيف يجعلون كلامهم طريقاً إلى الخير المنشود وأسلوباً للدعوة بالحق والأمر بالمعروف ولهذا عني الإسلام عناية كبيرة بنوعية هؤلاء الرِّجال الَّذي حباهم الله بهذه الموهبة.
فقوة البيان وفصاحة اللَّسان والقدرة على اعتلاء المنابر ومواجهة المجتمع هي من المواهب الفطرية التي تخلق مع المرء شأنها في ذلك شأن المواهب الأخرى.
إلى جانب التواضع، والحلم، والاستقامة، والأخلاق، فالخطيب الناجح هو الَّذي يعرف كيف يخاطب جيل الشباب والكبار والعلماء والجهلاء والأغنياء والفقراء.
في الوقت المناسب لأن المجتمع يتفاعل معه بحسب المواضيع المطروحة على السّاحة، حيث خطيب الجمعة يعيش بين النَّاس يرونه ويسمعونه ويتابعونه ويحاولون أن يربطوا بين ما يسمعونه من أقوال وما يشاهدون من أفعال، فإذا بدأ التناقض بين القول والفعل ضاعت الثقة وفقد الخطيب معنى الريادة والقيادة واتسعت هوة التصديق بين طرفي الاتصال، فالواجب عليه أن يلتزم بالمنهج الإسلامي في سلوكه وتصرفاته.
فالواجب عليه أن يُعد نفسه إعداداً جيداً ويستمد من كتاب الله الكريم والأحاديث النبوية ما يثري لغته وفكره ويحاول أن يرتقي بأسلوبه مع كافَّة شرائح المجتمع فكان نبيِّ الأمَّة مُحمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه كان يخاطب كل فرد أو جماعة بما يناسبهم ويتلاءم مع قدراتهم وإمكاناتهم فهذه البلاغة الحقَّة.