خالد بن حمد المالك
يكثر الجدل بين اللبنانيين هذه الأيام، فيما الخلافات هي سيدة الموقف، فبينما يطالب بعض النواب في المجلس الجديد بإزاحة الرئيس نبيه بري من رئاسة المجلس، يصر البعض على ترشيحه لدورة سابعة رغم تقدُّمِه في العمر، وبينما يطالب التيار الوطني الحر بأن يكون له منصب نائب الرئيس، يرى آخرون أن باسيل غير موثوق به، فكيف بمن يمثله في المجلس.
* *
الخلافات بين اللبنانيين جزء من الحياة في هذا البلد، ويرى بعض اللبنانيين أنها ضريبة الحرية والديمقراطية التي يتمتع بها هذا البلد الجميل، لكن العقلاء يتحدثون عن أن لبنان تمت سرقته في النهار، وعلى مشهد وسكوت من الجميع، وهو ما يعني أن ممارسة الديمقراطية والحرية قد تم اعتسافها، وطُبِّقت كأسوأ ما يكون التطبيق.
* *
خرجت نتائج انتخابات هذه الدورة، وككل الدورات السابقة، فقد قوبلت بكثير من الاتهامات، وتضارب الآراء، حتى مسألة لمن الأكثرية بعد أن أعلنت النتائج على الملأ كانت موضوع خلاف، وتاليًا عدم الاعتراف بالواقع من الطرف الخاسر، فنصر الله لا يعترف بأنه وحلفاءه خسروا الأكثرية في مجلس النواب، وبالتالي بالهزيمة، بينما حوَّل جبران باسيل هزيمته إلى انتصار، وإلى احتفال كبير بهذا الانتصار.
* *
تداعيات نتائج الانتخابات لن تكون سهلة، ولن يمرِّرها المنهزمون مرور الكرام، فاللغة التي استُخدمت، والمواقف التي عُبِّر عنها، والتهديد المبطَّن الذي ظهر بديلاً للحوار وبشكل سريع ومتشنج، كلها تنم عن أن اللبنانيين على موعد مع حرب قادمة ما لم يشعر الجميع بأن أحدًا من هؤلاء لن يسْلَم من العقاب، إذا ما ساهم في إشعال نار الفتنة، والصراعات، على حساب استقرار لبنان.
* *
أمام الرئيس اللبناني القادم، ومثله رئيس مجلس النواب والأعضاء، ومثلهم أيضًا رئيس الحكومة والأعضاء استحقاقات كبيرة في ظل تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، وتفشي البطالة، ومشاكل الكهرباء والغاز والدقيق والبنزين وغيرها، وهو ما يعني أن على الجميع أن يتحملوا مسؤولية معالجة هذه الأوضاع المتردية، بعيدًا عن التآمر بالوكالة على لبنان واللبنانيين.
* *
وبين الموقفين المتضادين، والخلافات المزمنة بين الكتل اللبنانية، والصراع الدائر بين من هو مع إيران ومن هو مع لبنان، بين من يدعو إلى العودة إلى الحضن العربي، وأولئك الذين يقفون موقف المعارض، وإن كانوا لا يعبِّرون بصراحة عن مواقفهم، لكنها معروفة ومكشوفة، ولا يمكن تغطيتها، أو إخفاء حقيقتها.
* *
وأهم ما يقلق اللبنانيين، هو سلاح حزب الله، لا شيء يشغلهم عن هذا الحزب المزروع في خاصرة لبنان لحماية مصالح الجمهورية الإسلامية، لأن امتلاك حزب الله هذا السلاح كان ولازال سبباً في تقويض أي إصلاحات تعيد للبنان عزته وكرامته ومكانته العربية، وبالتالي تحسُّن وضعه الاقتصادي والسياسي، وتقضي على الفساد، وتنهي البطالة التي يعاني منها الشعب الشقيق.
* *
لقد كانت الانتخابات استفتاءً شعبياً أظهر انحياز الشعب إلى جانب الأحرار من اللبنانيين، فظهرت النتائج لتضع حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر في شكل إدانة لهم على تفريطهم بمصالح لبنان، والسير على خطى ما تأمرهم به إيران، مشمولين برعاية خاصة، وتأييد مطلق من الرئيس ميشيل عون، في تحالف مريب جمع نصر الله ونبيه بري وجبران باسيل وميشيل عون.
* *
ينتظر اللبنانيون تسمية رئيس الحكومة وتسمية الوزراء، واختيار رئيس مجلس النواب ونائبه، ومن ثم اختيار رئيس الجمهورية، حتى يتأكد الجميع إلى أين هو ذاهب هذا البلد الجميل، وهو انتظار قد يطول، فهناك قوى نافذة سوف تعطل كل هذه الاستحقاقات، فقد عوَّدتنا على مثل هذه المواقف، وشواهدها من الماضي أكثر من أن تُعد أو تُحصى.