د. محمد بن يحيى الفال
عادت بنا الذاكرة إلى عقود مضت وتحديداً لصفوف الدراسة الأولي ولجملة رددناها مراراً وتكراراً وهي «زرع وحصد»، ذلك ونحن نرى ما حققه طلابنا وطالبتنا من إنجازات رائعة خلال مشاركتهم في منافسات أيسف 2022 للعلوم والهندسة التي أقيمت فعالياتها لهذا العام في مدينة أتلانتا حاضرة ولاية جورجيا الأمريكية وذلك خلال الفترة من 7 إلى 13 من شهر مايو 2022. الذاكرة كذلك تعود بنا لعقود خلت للتعرف على البدايات الأولى لرحلة التفوق والإبداع التي رأينا بعض ثمارها في احتفالية أتلانتا التي لم تأت جُزافا، بل من رؤى ثاقبة عرفت أهمية العلم في بناء الأوطان وتتمثل هذه الرؤى بالمقترح الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه عندما كان أميراً لمنطقة الرياض ورئيساً لمجلسها البلدي وذلك لإطلاق مؤسسة علمية تعتني بالموهوبين والمميزين تزامناً مع كل خططه لتنظيم وبناء العاصمة من ألفها إلي يائها لنرى اليوم ما وصلت إليه من تطور وازدهار بمعجزة تحققت نراها ماثلة أمام أعيننا وشملت كافة النواحي التي تحتاجها المدن العصرية. مُقترحه رعاه الله لإطلاق مؤسسة تعليمية لرعاية الموهوبين تمت الموافقة عليه من الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله الذي وجه بإطلاق مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع والمعروفة اختصارا بـ»موهبة» وذلك بتاريخ 13-5-1420هـ.
حصد طلابنا وطالبتنا في أتلانتا 22 جائزة دولية منها 16 جائزة كبرى و6 جوائز مميزة ولعل من المهم هنا تسليط بعض الضوء على هذا التجمع العلمي للموهوبين فقد انطلقت فكرته من ولاية كاليفورنيا الأمريكية في أوائل القرن المنصرم من قبل كل من الصحفي إدوارد سيكرييز وعالم الطبيعة وليام إيمرسون ريتر واللذين كان محور اهتمامهما هو اطلاع الجمهور على الإنجازات العلمية وعليه بدأت فكرتهما تأخذ اتجاه نحو تشجيع المنافسة العلمية بين طلاب وطالبات الثانوية في الولايات المتحدة وذلك بدءاً من عام 1950 وللتوسع المشاركة بالسماح بمشاركة طلاب الدول الأخرى منذ عام 1958 وعُرفت فعاليتها بمُسمي المنافسة العالمية للعلوم والهندسة» International Science and Engineering Fair» واشتهرت بـ ISEF» اختصاراً. منافسة هذا العام تمت برعاية عشرين من كبرى الشركات الأمريكية مثل شركة ريجنيرون رائدة أبحاث الصيدلة الحيوية وشركة مايكروسوفت رائدة البرمجيات وجنسون آند جنسون المتخصصة في كل منتجات الرعاية الصحية ورائدة الأفلام الوثائقية ناشيونال جيوغرافيك، وشاركت في فعاليات هذه الدورة 80 دولة وقدمت فيها جوائز ناهزت 8 ملايين دولار.
المشاهد التي صاحبت فرحة طلابنا وطالبتنا بالفوز كانت بالغة التأثير ومعبرة جعلت الحفل السنوي الضخم لتوزيع الأوسكار على الأفلام الفائزة الذي تقيمه الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون الصور المتحركة يبدو باهتاً مقارنة بردة فعل طلابنا وطالباتنا في كل مرة يتم فيها الإعلان بفوزهم بأحد جوائز المنافسة، ردة فعلهم العفوية وابتهاجهم بالفوز كانت أحد أهم عوامل نجاح المنافسة وحركت فينا جميعاً روح الوطنية وفخرنا بالوطن وقيادته التي تبذل الغالي والنفيس لمواطنيه وفي كل المجالات ولتعلو رايته خفاقة في كل المنافسات والمحافل الدولية. مع فرحتنا بإنجازات أبنائنا وبناتنا في أتلانتا لا بد من الإشارة لثلاث نقاط مهمة ذات علاقة بالفوز المُستحق أولها اعتزاز من شاركوا في فعاليات المنافسة بهويتهم الوطنية وزيهم التقليدي الذي أضاف روحاً خلاقة للمنافسة أبهرت الجميع وبالتصفيق الحار لهم وتشجيعهم وهم يتحركون من أماكنهم لمنصة التتويج لتسلم جوائزهم المُستحقة، ثانياً لا بد من التنويه هنا بالدور الذي قام به معالي الدكتور سعود بن سعيد المتحمي الأمين العام لمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله، فقد اجتمع بالفريق السعودي المشارك بالمنافسة مؤكداً لهم فخر بلادهم بهم وأنهم سوف يقدمون عملاً رائعاً خلال المنافسة وحثهم على الثقة بالنفس وتحمل مسؤولية المشاركة والتعامل مع الجميع بصورة حسنة وتمثيل المملكة التمثيل الذي يليق بها ومضيفا بأن لديه حدساً بأنهم سوف يحققون إنجازات غير مسبوقة في المنافسة وهو الأمر الذي تحقق بفضل من الله، ثالثاً وبالبحث وجد بأن لدينا في المملكة ما مجموعه 168 منظومة بحثية تشمل معاهد ومراكز ووحدات تصرف عليها الدولة ميزانية سنوية ضخمة بمليارات الريالات والسؤال هنا أين هو دور هذه المنظومة الضخمة في استقطاب طلابنا وطالباتنا المميزين ودعم جهودهم في البحث العلمي!؟
الفوز في أتلانتا يجب ألا يمر فقط كحدث عابر، فهو يشكل نقطة مهمة وجديرة بالاهتمام نحو فتح ملف البحث العلمي في المملكة على مصراعيه ودور كافة المنظومة البحثية في المملكة في مواجهة تحديات المستقبل من أجل تنمية مستدامة قادرة على مواجهة هذه التحديات من خلال هذه المنظومة البحثية من أجل الوطن والإنسانية جمعاء. الفوز في أتلانتا لم يكن مصادفة أو بدون جهود متراكمة كان الفضل فيها بعد الله وتوفيقه هو لرؤى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه صاحب فكرة إطلاق مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة» ويؤكد دوماً رعاه الله على أهمية التعليم في نهضة الأمم ومن أقواله بهذا الخصوص «إن التعليم في السعودية هو الركيزة الأساسية التي نحقق بها تطلعات شعبنا نحو التقدم والرقي في العلوم والمعارف».