سهام القحطاني
«ماذا أقول له لو جاء يسألني.. إن كنت أكرهه أو كنت أهواه؟.. وهل أصدق بعد الهجر دعواه؟.. أما انتهت من سنين قصتي معه؟.. أما كسرنا كؤوس الحب من زمن.. فكيف نبكي على كأس كسرناه؟.. رباه أشياؤه الصغرى تعذبني.. فكيف أنجو من الأشياء رباه؟»- نزاز قباني قصيدة ماذا أقول-
رغم كل فواجع الإنسانية التي تدب على كوكب الأرض ترك العالم كل تلك الفواجع وراء ظهره وانشغل بهوس متابعة قضية «السيدة آمبر هيرد والسيد جوني ديب» و التي أصبحت مصدر كوميكسات السوشيال ميديا.
فماذا يعني ذلك وما الدلالات المضمرة وراء هذا الهوس للمتابعة؟
أعتقد أننا في زمن للشيوع مضمراته الثقافية التي يجب أو كما أظن أن لا نعبرها عبور الفراشات، وهوس التداولية تورية ثقافية لا يجب أن نتجاوزها تحت أي عنوان مروج للتهميش باعتباره تكوين لظاهرة و انتشائها.
بعد كتابة آمبر هيرد مقالة تتهتم جوني ديب بالعنف الزوجي وتطالبه بتعويضها عن الأضرار النفسية بدفع «50 مليون دولار» رفع في المقابل جوني ديب قضية على خلفية ذلك المقال دعوة قضائية بسبب التشهير و مطالبتها بدفع»1000 مليون دولار» وبذلك ذهبا إلى المحكمة لتبدأ الحكاية.
وإذا فتشنا وراء مضمرات هوس العالم وخاصة العالم العربي بهذه القضية فيمكننا استنتاج خمس جاذبيات وراء تلك المضمرات هي:
* جاذبية آدم وحواء: في المبتدأ الأكثر جاذبية لهوس شيوع المتابعة وتداولها هما طرفا القضية « آمبر وجوني» ليس باعتبارهما الشخصي في المقام الأول، بل باعتبارهما النوعي» الرجل والمرأة» وهو أمر يُضيف للقضية زاوية أخرى زاوية «النسوية» ودخولها على الخط لمساندة السيدة آمبر وفي المقابل لهذه الزاوية أضيفت زاوية ثانية تنطلق من الخطاب الذكوري كمساند للسيد جوني ،ففي هذه القضية أصبح جوني دون أن يعلم أمل كل رجال العالم في إعلاء الخطاب الذكوري الذي تراجعت هيمنته في زحمة الخطابات النسوية و التي قليلها حق وكثيرها باطل، فهزيمته أمام آمبر هي هزيمة للرجال جميعا وبذات المنطق أصبحت السيدة آمبر أمل النسويات لانتصار الخطاب النسوي عالمياً على هيمنة الخطاب الذكوري، وهزيمتها هي تراجع للنسوية في دلالاتها المختلفة.
وهذه المعادلة المتحاربة بين الخطاب الذكوري والخطاب النسوي التي فجرتها قضية آمبر وجوني هي التي تسيطر دون وعي على هوس المتابعين لهذه القضية، فالقضية لم تعد إنصاف مظلوم ومعاقبة ظالم بل أصبحت وجها آخرا لصراع الرجل والمرأة.
*جاذبية المشاهير: طبيعة شخصيتي القضية كونهما من المشاهير، والناس بطبيعة الحال يسيطر عليهم هوس متابعة المشاهير في حالتهم العادية فما بالك في قضايا الفضائح والتشهير التي وصلت إلى تخصيص تحليلات لتفكيك شفرات لغة جسد طرفي القضية.
* جاذبية مصدر الصراع: المحرك الرئيس للقضية، قامت قضية جوني وآمبر على أساس «العنف الزوجي»،و تعتبر قضية العنف نحو النساء من أشهر القضايا العالمية التي تقوم لها المؤسسات العالمية ولا تقعد.
ولعل إقحام «العنف الزوجي» في هذه القضية هو الذي حولها إلى رأي عام وجذب عاطفة العالم وخاصة النساء نحو آمبر « الزوجة المعنَفة» هذه الحالة التي تعاني منها الكثير من النساء سواء العربيات أو غير العربيات في صمت وقهر.
ولم تقتصر القضية على «الزوجة المعنفة» بل امتدّت إلى «الزوج المعنف» فقد اتهم جوني بدوره آمبر التي وصفها بالنرجسية المعقدة اجتماعيا بأنها كلما غضبت كانت تلجأ إلى ضربه وتعنيفه كما كانت تفعل والدته مع أبيه، وبالطبع هذا الاتهام حشد له أباطرة الخطاب الذكوري في كل مكان.
* جاذبية الفضائح: ألغت الثورة الاتصالية بكل وسائلها الخطوط الحمراء وأصبحت الخصوصية بقدر قِيد أنملة، وأصبحت الفضائح تتصدّر الأخبار والحكايات ومقياس «لعلو الترندّ» بل وأصبحت ثقافة في ذاتها لها أدوات نشأتها ونصوص متونها، هذه الثقافة التي تُشبع رغبة الإنسان الأولى في الوجود «الفضول»، فالفضول يكمن خلف كل يدّ تعبث في الخفاء لكشف المستور، وهوس متابعة هذه القضية يكمن في أحد جوانب جاذبيتها في الفضائح التي تختفي في المستور والتي يتطلع العالم كل يوم إلى اكتشاف أجزائه.
*جاذبية الضحية والجلاد: ثنائية المظلوم والظالم من أجذب الثنائيات ليس في الدراما بل وعلى مستوى الواقع لأنها تعزف على أوتار وجداننا فمن الظالم ومن المظلوم في هذه القضية؟ إجابة هذا السؤال هي التي تجذب أنظار العالم لمتابعة هذه القضية الكونية بامتياز.
وسواء أكانت آمبر هيرد الضحية أو الجلاد فهناك مئات من الزوجات يتعرضن للعنف الزوجي كل يوم، منهن من تؤمن بمنطق حبيبة نزار قباني في قصيدة أغضب «أغضب كما تشاء.. وأجرح أحاسيسي كما تشاء.. حطم أواني الزهر والمرايا.. أغضب..فأنت رائع حقاً متى تثور».
ومنهن من حملن راية البوح والمقاومة، فتحية إجلال لكل امرأة ترفض العنف وتقاومه.