اعلم يا رعاك الله، بأننا في زمن التغيّر والتغيرات والكسر والجبر والانكسارات، يعيد الزمن وأحكامه تشكيلنا مِن جديد، من دواخلنا أولاً، فنصبح مثل الشجرة التي صلب لحاؤها من الخارج، فصار قاسيًا بفعل عوامل التعرية وتقادم الوقت وفجأة التغيّر وحتمية التغيير.
ومع تكرر حسراتنا وإحساسنا بألم الوحدة وألق العزلة وضرورتها، نحن لماضينا القديم، ذلك الماضي الذي كنا فيه أسوياء، لم تشكلنا الدنيا بعد بقوانينها المادية البغيضة، وحساباتها الخاطئة.
كانت أحلامنا بسيطة ببساطة ما عشناه وما كنا نطمح الوصول إليه ،كان مبعثها في أنفسنا بعض الاحتياجات البسيطة التي لاتلبث أن تزول بعد أن نرى أننا متساوون مع أترابنا وجلسائنا.
صديقي الأصيل:- أكتب إليك وأنا أذكر ذلك الماضي الجميل الذي جمعنا، وأذكر ذلك النقاء الذي احتوانا وأطرانا.
صديقي الحبيب:- أما أنا فلم أعد أنا، لقد صرت كالشجرة التي تقاوم عوامل التعرية، ومع كل ربيع طلق تحاول أن تختال ضاحكة مخاتلة نفسها ومن حولها، لتقول للجميع إنها ما زالت تلك الشجرة الوارفة الظلال والمخضرة الأوراق ،لكنه الزمن يا صاحبي الذي لا يرحم وحكمه الذي يحكم الأشياء ليفسح المجال لشجر وارف جديد ليعيش تجربته الخاصة وليمضي الزمن فيه حكمته وأحكامه.
صديقي الأثير:
مازلت أراك في إصدارك الأول قبل ثلاثين عامًا ومازلت استمتع بفتح صفحاتك البيضاء وقراءتها، لاستعيد ذكريات ذلك الزمن الجميل، ومازلت أرى في تلك الأيام التي عشناها جزءًا من سيرتي الحياتية التي عتقتها الأيام ، وصروف التجارب وتعدد الانكسارات وألم مشاعر الخذلان، من حياة صارت لا تعترف إلا بالدرهم والدينار ومن نجاحات -إن حصلت-تجعل الواحد منا كالظمآن الذي يشرب من البحر، فمهما شرب فلن يصل إلى الارتواء .
هذا أنا الآن ياصديقي بعد أن كنت أنا التي عرفتَها في سالف الأيام، بقي الذكر والذكريات وما عاد في الحياة متسع لنجرب مِن جديد، إنه الزمن ياصاحبي وحكمه، والشجر والخضار وطبيعته، فأعظمه شجرة تموت واقفة لكن ظلها باق
وأضعفه شجرة إلى الحشائش أقرب لا ظل لها ولا ثمر
فشتان ياصديقي بين شجر مات ليحيا، وشجر حي ينتظر الممات!.
** **
- علي المطوع