د. محمد بن إبراهيم الملحم
أهنئ أبناءنا وبناتنا المبدعين والمبدعات الذين حققوا نتائج مشرفة في مسابقة الآيسف 2022 للطلاب الموهوبين في العلوم واستطاعوا أن يثبتوا الوجود السعودي بقوة في هذه التظاهرة العالمية الجميلة، وكذلك ما أعلن يوم الأحد 15 / 5 / 2022 عن فوز فريقنا السعودي في أولمبياد مندليف للكيمياء والمقام في كازاخستان ثم بعده يوم الثلاثاء فوز فريقنا في أولمبياد آسيا والباسيفيك للرياضيات، ولو تتبعت نفس الأخبار وأمثالها للأعوم السابقة لوجدت السعودية موجودة على الدوام ولله الحمد. وهذا التفوق ليس حديثا فلنا سجلات مشرفة ولله الحمد في تحقيق إنجازات ترفع اسم بلدنا وتثبت للعالم أن الإنسان السعودي (في كل مستوياته العمرية ولكلا جنسيه) لا يقل أبدا عن غيره من الأسماء اللامعة، بل هو ينافس ويصمد في المراكز الأولى عاما بعد عام، كما أن هذه الظاهرة ليست مستغربة أيضا على أبنائنا وبناتنا الطلاب فلدينا قدرات متفردة في الذكاء والإبداع والتفوق والمواهب اللامعة التي يمكن أن تقدم ما يشرف، وأنا خير من يُسأل في هذا السبيل فقد رأيت خلال مسيرتي التعليمية في المؤسسات التعليمية كلها بدءاً من التدريس وحتى مستويات وزارية كثيرًا من العينات الشابة الرائعة والمتفردة.
أضع هذه المقدمة الإطرائية بين يدي حديثي هنا ليس لأنها واجب يمليه علي واقع الحال في هذه المناسبة ولكن لأنها حقيقة أولا ولأنها ضرورية ثانيا ليتبين للقارئ الكريم بعد ما سأذكره بعد قليل أن اتجاه حديثي ليس ضد هذا المنتج الجميل وإنما هو في سياق مختلف أتمنى أن ينعم القارئ فيه النظر حتى لا يشذ فهمه عن الهدف الأساس. ما أريد قوله هو إن هذا التفوق يتكرر دائما في نطاق «الطلاب النخبة» وهؤلاء فخر لنا بدون شك، لكنهم (من الناحية الإحصائية) لا يجب اعتبارهم انعكاسا لمستوى تعليمنا، وهي مغالطة ظاهرية (Paradox) يمارسها بعض من يعلقون على هذه النجاحات «الجميلة في الواقع» فيمضون بها أبعد مما صممت له ليعمموا بها التفوق على التعليم بأجمع، نعم يحق لنا أن نفتخر بأبنائنا الموهوبين والمتفوقين ويحق لهم وللجميع الفرح والاحتفال، ولكن النجاح هو في المقام الأول نجاح المؤسسات التي قدمت لهم جرعات تركيزية من الاهتمام وهي لدينا متمثلة في مؤسسة «موهبة» هذه المؤسسة النشطة التي تحرص مشكورة على انتقاء أساتذة الجامعات المتميزين في مجالات العلوم والتقنية والرياضيات والهندسة وغيرها من مجالات الموهبة ليكونوا جنبا إلى جنب مع أبنائنا الطلاب في تدريبهم وتكريس فهمهم لموضوعات الموهبة التي رغبها كل واحد منهم وبرع فيها، كما أنها تنفق بسخاء على كثير من الأنشطة والبرامج التي تدعم بها هؤلاء الطلاب وتحببهم في مواصلة نجاحاتهم، فلها كل الشكر والتهنئة على هذا الفوز، كذلك نشير إلى نجاح آخر مهم وهو نجاح الأسرة التي تربى فيها هؤلاء الطلاب والتي بدأت أبناءها بالرعاية قبل أن يصلوا لمؤسسة «موهبة» حيث إن وصولهم لها يتطلب أولا أن يستعرضوا في اختباراتها الممحِّصة أفضل القدرات والخبرات في مجالاتهم وهو ما تكون الأسرة قد أسهمت في تأسيسه أو التشجيع عليه وتوفير متطلباته، كل ذلك بعيد عن المدرسة ودورها المحدود في تقديم المنهج المقرر فقط إلا إذا استثنينا المدارس الأهلية «المتميزة» ولكن حيث إن هذه ليس كل أحد يستطيع دخولها بالطبع فهي خارج نطاق هذه المناقشة التي تستدعي العلاقة بين متوسط المستوى النوعي للخدمة التعليمية على المستوى العام وتميز هؤلاء النخبة من الموهوبين في المسابقات الدولية.
إني أتصور أن أبناءنا الذين تفوقوا هم أنفسهم يتساءلون هذا التساؤل ذاته لماذا نتميز نحن وننجح في إبراز بلدنا في مركز متفوق عالميا بينما في الاختبارات الدولية التي تقدم صورة عن أداء كل طلاب بلدنا (مثل PISA, TIMMS) لا يستطيعون من خلالها تقديم مركز مماثل أو على الأقل في المستوى المتوسط؟ بل إننا نكون عادة في مراكز متأخرة! حتى لو لم يتساءلوا اليوم فقد يتساءلون عنه غدا إذا أصبحوا في موقع المسئولية، وإذا استمر مستوى تعليمنا «نوعيا» بنفس النمط فقد يأتي بعضهم مكاني هنا يوما ما بعد عشر سنوات مثلا أو أكثر ليطرح نفس التساؤل.
وللحديث بقية..