مها محمد الشريف
الرئيس الروسي بوتين يهدِّد بالرد على توسع الناتو في فنلندا والسويد ولندن وباريس تحذّران، بوتين، وتكاد تكون مثل أوكرانيا في عدم خضوعها لرجل واحد، أيًا كان هذا الرجل، فقد كان متوقعًا وبعد حسم جارتها الإسكندنافية، فنلندا، قرارها بالتقدم بطلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قررت السويد هي الأخرى التقدم بطلب مماثل، كما صرحت بذلك، رئيسة الوزراء السويدية، ماغدالينا أندرسون. ماذا يعني انضمام فنلندا والسويد لـ»الناتو»؟
ولا يزال في أذهان الناس انفصال النرويج عن السويد والذي لاقى استحسان العالم، فإذا رغبت إيرلندا وبولندا أيضاً في الاستقلال بدا لهم وجوب مقاومة هذه الرغبة بكل ما فيهم من جهد، فقد كان الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم في السويد قد وافق على ترشح البلاد لعضوية الناتو، الأمر الذي عده مراقبون بمثابة الضوء الأخضر لبدء الحكومة السويدية بإجراءات طلب عضوية الناتو. بيد أن ثمة اعتقادًا يوحي به إلينا هذا الكبرياء ويؤيِّده التاريخ مهما كان أشد تعرضاً للهجوم العلني ويظل عنصراً جوهرياً لقوة الدولة منذ الرصاصة الأولى.
ظناً منهم أن يكون الانضمام مشروع تأمين سلامة البلاد، والسبيل الوحيد لسلامتهم، حيث تجد الناس على الرغم من ديموقراطيتهم يعجزون عجزاً شديداً عن تفهم المسائل ذات التبعات الكبرى، فهل أوروبا دخلت بمرحلة انعدام استقرار فعلاً لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية؟ ويعني هذا التطور اللافت يجعل كل من فنلندا والسويد تحيدان بشكل رسمي عن مبدأ الحياد الذي لطالما التزمتا به، وتجعل الناس يحتملون خسائر الحرب فمهما كان مستوى الشجاعة في ظل الظروف الحالية التي ينطوي عليه الفداء القومي.
وسيعكس تحولاً جيوسياسياً دراماتيكياً في الشطر الشمالي من أوروبا، والذي لطالما تميزت بلدانه عامة بالنأي بالنفس عن التجاذبات الحادة بين روسيا وحلف الناتو، لا سيما خلال سنوات الحرب الباردة، وهو ما قد يقود لزيادة التوتر في العلاقات الروسية الأطلسية، وفتح جبهة مواجهة جديدة بين الطرفين يكون مسرحها الشمال الأوروبي هذه المرة.
وفي سبيل هذه الغاية هددت روسيا باتخاذ «خطوات انتقامية» بعد أن دعا رئيس فنلندا ورئيسة وزرائه إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو، «دون إبطاء»، وفي بيان مشترك، قال ساولي نينيستو وسانا مارين إنهما يتوقًعان قراراً في هذا الشأن خلال الأيام القليلة المقبلة، وتأتي الخطوة وسط ارتفاع دعم الفنلنديين لحصول بلادهم على عضوية الناتو، لا سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتشترك فنلندا مع روسيا في حدود يبلغ طولها 1.300 كيلومتر. وحتى الآن، بقيت فنلندا بعيدة عن الناتو تفادياً لاستعداء جارتها الشرقية الذي يعتبره الروس أمرًا خطيرًا، ويمكننا أن نلاحظ بكل وضوح أثر هذه المنازعات، كما أنها العوامل الأساسية لوهن العزيمة الذي يحول بين الناس في أوروبا وبين الوصول إلى غاياتهم، وهذا شيء لا يحتمل، لكنه شيء لا يمكن تبديله بغير حرب كبيرة بعد حرب أوكرانيا.