محمد سليمان العنقري
أغلب ما يحدث أثناء انخفاض أسواق المال وتزايد تقلباتها هو تحول مزاج المتعاملين إلى التشاؤم سريعاً حتى لو كانوا قبل يوم من بداية أي هبوط بمؤشرات الأسواق متفائلين ويضعون توقعات إيجابية لتوجهات أسعار الأسهم التي يستثمرون بها فمؤشر الحالة النفسية للمتعاملين الأفراد على وجه الخصوص شديد الحساسية اتجاه لون الشاشة فالتغذية التي يعكسها اللونان الأخضر أو الأحمر لهما العامل الحاسم في قرار نسبة كبيرة من المتعاملين الأفراد ممن لا يملكون خبرة أو تخصص أو تفرغ في عالم أسواق المال الذي يعد من أعلى أنشطة الاستثمار تعقيداً حيث يتطلب مهارات عديدة لاختيار الأوراق المالية التي تستثمر بها ووضع الاستراتيجية المناسبة لتجنب المخاطر وكذلك خبرة التعامل مع المتغيرات التي تواجهها حركة الأسواق حيث إن تقلباتها مرتفعة نظراً لشدة حساسيتها اتجاه أي مستجدات وذلك لتحديد هل هذه التغيرات أو الأحداث جوهرية بحيث تغير من تقييم الأسواق أو أنها مجرد أحداث طارئة ينتهي تأثيرها سريعاً دون تغيير بالاتجاه المتوسط والبعيد المدى.
فأسواق المال تعيش هذا الشهر حالة من عدم الاستقرار والتذبذبات فيها عالية لكن يجب التفريق بين مسببات ما يحدث من سوق لآخر ففي أمريكا أكبر اقتصاد عالمي تمر أسواقها بمرحلة تصحيحية بعد موجة ارتفاعات طويلة استمرت عملياً لأكثر من 12 عاماً منذ الأزمة المالية عام 2008 فمؤشر داو جونز ارتفع خلال هذه المدة بما يقارب خمسة أضعاف وحقق مؤشر تاسداك لأسهم التكنولوجيا نسب ارتفاع مماثلة ومع ارتفاع معدلات التضخم وكذلك تراجع أرباح الشركات خصوصا التكنولوجيا بالإضافة لإيقاف برنامج التيسير الكمي ورفع أسعار الفائدة من الطبيعي أن تضغط كل هذه العوامل باتجاه دخول أسواق أمريكا في مسار تصحيحي لكنها تبقى أسواقاً جاذبة لتنوع منتجات التعامل وعمق السيولة الضخم فيها بينما أسواق أوروبا تقع تحت ضغوط مشابهة إضافة للحرب الروسية الأوكرانية التي تهدد استقرار القارة العجوز لكن هل كل أسواق العالم ينطبق عليها ذات المؤثرات، إن مثل هذا التعميم يفقد المتعاملين مع أسواق المال فرصا عديدة ممكن لهم الاستفادة منها فلا بد من التمييز بين منطقة اقتصادية وأخرى والاعتماد على التحليل الأساسي لاقتصاد أي دولة يمكن ضخ استثمار بأسواقها فرغم حالة الاقتصاد العالمي الضبابية لحد ما إلا أن هناك اقتصادات لديها فرص نمو كبيرة نظير استفادتها من الطلب على سلع تتميز بها من حيث كمية الإنتاج وأهمية هذه السلعة وأسعارها بالأسواق العالمية كالنفط والمعادن والأسمدة والسلع الزراعية.
فعلى سبيل المثال يمر سوق الأسهم السعودي بمرحلة من التقلبات بعد سلسلة ارتفاعات كانت من الأفضل عالمياً من بداية العام الحالي ويمكن اعتبارها مرحلة تأسيس لمناطق سعرية جديدة إذا ما نظرنا للتحليل الأساسي فالاقتصاد السعودي يحقق أعلى معدلات نمو منذ أكثر من 11 عاماً بنسبة فاقت 9 بالمائة ورغم أن لارتفاع إنتاج وأسعار النفط الأثر الأكبر برفع معدلات النمو إلا أن نشاط القطاع غير النفطي يحقق نمواً جيداً ومدعوماً بنشاط استثماري واسع بقطاعات عديدة مثل قطاع الإسكان والصناعات التحويلية والتعدينية والخدمات بمختلف أنشطتها بينما وصل حجم المعروض النقدي لمستويات غير مسبوقة لمستوى يقارب 2.4 تريليون ريال كما أن إعلان الربع الأول للميزانية العامة لهذا العام أظهر تحقيق فائض بمبلغ 57.5 مليار وهو ما يقارب 60 بالمائة من الفائض المتوقع للعام الحالي كاملاً عند إعلان الميزانية قبل خمسة أشهر ومع استمرار مستويات أسعار النفط فوق 100 دولار فإن الفائض المتوقع سيرتفع عن التقديرات الأولية للعام 2022 بالإضافة لتغيير وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني للاقتصاد السعودي من نظرة مستقرة لإيجابية قبل عدة أسابيع مع تصنيف عند فئة «A» وهو مستوى استثماري مرتفع فمجمل العوامل الأساسية للاقتصاد الوطني إيجابية وتتعزز باستمرار مع وجود احتياطيات مالية ضخمة ومعدلات تنفيذ ببرامج الرؤية تتناسب مع المستهدفات حسب التقدير الزمني وبعضها حقق الأهداف قبل وقتها المقدر سابقاً بالإضافة للنمو الجيد بنتائج القطاعات الرئيسة ومكوناتها بالسوق والتي يفترض أن تقيم من قبل المستثمر لتحديد مراكزه بالسوق بدلاً من التأثر بحالة تقلبات السوق وبذلك فإن نظرة المستثمر لسوق الأسهم يفترض أن تقاس من هذه العوامل وعدم ربطها بالمطلق بالتذبذبات الطارئة بحركة الأسواق التي تحدث خلال فترة قصيرة أي أن التقييم الأساسي لا يتغير بسرعة وأن ما يحدث من تقلبات هو من طبيعة الأسواق لاستعادة الزخم بجذب سيولة إضافية عندما تكون الأسواق بموجة صاعدة وكذلك يتم خلالها إعادة توزيع المراكز حسب ما يظهره كل قطاع أو شركة من معدلات نمو بالنتائج الفصلية والسنوية فالقراءة الجيدة والبعيدة عن أي تأثير آني هي ما يساعد المستثمر على تحديد موقفه من الاستثمار بأي سوق أو شركة من عدمه.
تكثر الشائعات بأسواق المال السلبية والإيجابية لكن تبقى الحقائق هي من يحدد اتجاهاتها وينصح كبار المستثمرين والخبراء العالميين بأسواق المال أمثال وارن بافيت بأنه خلال فترة تقلبات الأسواق يفترض ألا يكون المستثمر شديد الإفراط في متابعة السوق وألا يكون صاحب نظرة قصيرة الأمد بالسوق وكذلك تجنب البيع بدافع الشعور بالذعر كما نصح بذلك «جو مالين» كبير مسؤولي الاستثمار في شركة الأبحاث الكمية «Helios»حيث يقول إن البيع بدافع الذعر أسوأ شيء يمكن أن يفعله المستثمر، فهذه هي طبيعة الأسواق لن تصل لأهدافها دون محطات توقف وتقييم وإعادة توزيع للاستثمارات بينما يبقى للمضاربين قصيري الأمد سياستهم واستراتيجيتهم التي تبنى على عوامل مختلفة ذات علاقة بالقراءة اللحظية واليومية لحركة الأسعار.