فضل بن سعد البوعينين
فرحة عارمة عمت أرجاء الوطن بتحقيق المنتخب السعودي للعلوم والهندسة 21 جائزة، بالإضافة إلى جائزة أفضل مشروع وباحث شاب للطالب عبدالله الغامدي. جوائز مشرفة لعقول شابة متميزة أعادت ترتيب اهتمامات المواطنين والقطاع الخاص بالملفات الوطنية، وتسليط الضوء على المنافسات العلمية والتعلق بها، والفرح بنتائجها المبهرة، والاحتفاء بأبطال الوطن في أهم القطاعات التنموية، وهو قطاع التعليم، والإبداع والابتكار الذي لا يمكن الولوج إلى عالم الاقتصاد المعرفي بمعزل عنه.
من اللافت أن نرى الفرحة في نفوس المواطنين، وشعورهم بالفخر والاعتزاز الذي عبروا عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم يفرحون بنجاح أبنائهم واعتلائهم منصات التتويج، إضافة إلى تفاعل وسائل الإعلام الوطنية المشرف مع الإنجاز الوطني المهم. مسارعة القطاع الخاص بتقديم مبادرات تكريمية للفائزين زاد من فرحتهم وفرحة الوطن بهم، فالقطاع الخاص هو المعني باحتضان المبدعين القادرين على تطوير الأعمال وخلق المنتجات والابتكارات المعظمة لربحية الشركات وتنافسيتها في السوق.
اكتشاف المواهب وصقلها ليس بالأمر الهيِّن، ونحمد الله أن بدأت المملكة من خلال مؤسساتها المتخصصة، ومنها «موهبة» بالاعتناء بهذا الجانب، فكم من المواهب التي فقدها الوطن خلال عقود مضت، أما اليوم؛ ومع إطلاق رؤية المملكة 2030 والاهتمام بالتعليم كقاعدة لتحقيق التنمية وبناء الوطن وتحول الاقتصاد، والتركيز على المعرفة والإبداع والابتكار، وقبل كل ذلك الاعتناء الخاص الذي يوليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لقطاع التعليم، وإعادة بنائه وفق رؤية مستقبلية محققة لأهداف التحول الاقتصادي والرقمي والمعرفي، والتوسع في إطلاق المؤسسات العلمية والمراكز المتخصصة؛ فقد أصبح لدينا حاضنات تهتم بالموهوبين، وبتطويرهم وتوجيههم التوجيه الأمثل. جهود متميزة بدأت نتائجها في الظهور التدريجي، والمتوقع أن تشكل مستقبلا منظومة تعليمية معرفية متكاملة قادرة على تخريج كفاءات تعليمية متميزة محققة لمتطلبات الابتكار والإبداع والاقتصاد المعرفي الذي بات محركا لاقتصادات الدول المتقدمة.
وبالرغم من النتائج الإيجابية، ومنها الجوائز الأخيرة التي تؤكد نجاعة الجهود المبذولة لتطوير التعليم والاعتناء بالمواهب، إلا أن سرعة إنجاز برامج تطوير المناهج، وإعادة هيكلة التعليم لتتوافق مع متطلبات العصر، وأهداف الرؤية، والنظرة المستقبلية، أصبح أمراً ملحاً، وأحسب أن معالي وزير التعليم يبذل جهوداً مُضنية لتحقيق ذلك الهدف.
الفوز بالجوائز ليس نهاية المطاف، بل بدايته، لذا أرى أن إعلان معالي وزير التعليم منح الفائزين منحاً دراسية في برنامج الابتعاث، هو استكمال لمراحل الإعداد المطلوبة للوصول بالموهوبين إلى مرحلة النضج التعليمي في التخصصات التي أبدعوا فيها. ولعل هذا يقودنا إلى إعادة النظر في البعثات الخارجية من حيث المستحقين لها من جهة، والتخصصات المطلوبة من جهة أخرى، فتوجيه الابتعاث بات ضرورة مُلِّحة لضمان تحقيق أهداف الرؤية، ومتطلبات الاقتصاد المعرفي.
فالاقتصادات الحديثة تُبنى على قاعدة البحوث العلمية، والابتكارات، والأفكار الخلاقة. المعرفة أساس التنمية؛ ولا يمكن للدول والمجتمعات المضي في تطوير اقتصادياتها بمعزل عن روافد المعرفة؛ والإبداع والابتكار، وهو ما تسعى المملكة لتحقيقه من خلال تطوير منظومة التعليم لتتوافق مع رؤيتها المستقبلية، ومتطلبات الاقتصاد المعرفي.